ط
مسابقة القصة القصيرة

زوج الحمام الرومي.مسابقة القصة القصيرة بقلم /سعد فرغلي سعد البدري من مصر

الاسم : سعد فرغلي سعد البدري
العنوان : القوصية – محافظة اسيوط – مصر
البريد الالكتروني : [email protected]
الموبايل : 01118384935
نوع المشاركة : القصة القصيرة
اسم القصة: زوج الحمام الرومي
زوج الحمام الرومي
أنتهى العام الدراسي، وبدأت الاجازة الصيفية. اجتمعت الأسرة من جديد، بعد أن عاد الابن الأكبرعلي من أسيوط، حيث كان يقيم في المدينة الجامعية، طوال فترة الدراسة. الأب يعمل محاسب بإحدى دول الخليج، حتى يستطيع أن يوفر نفقات أبناءه وتعليمهم. الأم تعمل مدرسة لغة عربية، بإحدى المدارس في مدينة القوصية.
كالعادة تستيقظ الأم مبكراً. تبدأ يومها بصلاة الفجر، ثم تقوم بأعمال المنزل. تحاول أن تيقظ أبنتها ذات الأربعة عشر عاماً دون جدوى. ينحاز الأب دائماً لصالح أبنته نور عندما كانت تشكوها أمها له ، فيقول لها لا تثقلي عليها فهي ما زالت صغيرة.
يستيقظ الأبناء كالعادة، في الساعة العاشرة صباحاً، يتناولون طعام الإفطار، وهو عبارة عن خبز من مخبز القرية الآلي، وفول وطعمية من المطعم القريب من البيت. تغيرت القرية وأصبحت خليط بين القرية والمدينة، لم تعد القرى كما كانت في السابق، تراجعت أشياء كثيرة كانت أجمل في الماضي.
يخرج علي من البيت ذاهباً لمقابلة بعض أصدقائه في القرية، ثم يعود ومعه جريدة قد إبتاعها، أو كتاب أحضره معه من أحد أصدقائه. تتعاون نور مع أمها في تنظيف المنزل. يجلس الابن الأصغر أحمد يشاهد قناة طيور الجنة.
عندما يأتي المساء تجتمع الأسرة، يتجاذبون الحديث من أطرافه، يقضون أمتع الأوقات عندما تجتمع الأسرة ولا يغيب منهم أحد، وتكتمل سعادتهم بإتصال الوالد ليطمئن عليهم.
بعد تناول العشاء، ينصرفوا إلى هواتفهم النقالة، أو اللاب توب، والجلوس في عالم آخر، وهو عالم الانترنت والفيس بوك.
في الآونة الأخيرة، كثر إنقطاع الكهرباء ليلاً، مما أتاح الفرصة، كي يقترب الأبناء من بعضهم؛ مجتمعين حول والدتهم، لتحكي لهم بعض الحكايات، الآتية من عبق الماضي.
حكت الأم لأبناءها عن بيت والدها في القرية. كان بيتاً كبيراً من طابقين، مبنى بالطوب الأحمر والطين، معقود بالخشب، وبه بالكونات خشبية. واجهة البيت كانت باللون الأخضر. حول البيت سور مبنى بالطوب والطين. أمام البيت شارع كبير، بعده ترعة مياه، تروى أراضي القرية، والقرى المجاورة.أمام البيت شجرة جميز ضخمة، تقع على ضفة الترعة مباشرة.
كان بالقرب من البيت ساحة كبيرة تقف فيها الماشية بعضها تعود ملكيتها لهم، والبعض الآخر يعود لأهل القرية، كان الأفق عالياً، والخضرة في كل مكان من حولك. أما الآن فقد شوهت المباني الخراسانية، تلك الأراضي الزراعية.
يستمع الأبناء في صمت، كأن على رؤسهم الطير؛ مستمتعين بالحديث القادم، من عبق الماضي وحلاوته.
أكملت الأم كلامها قائلة: كنت أستيقظ مبكراً مع أمي، كي أساعدها في قضاء شؤون البيت. كانت أمي تحب تربية الطيور والحيوانات.
كان لدينا داخل صور البيت فرن من الطين، وشجرة سدر، كثيرا ما كنا نجلس تحتها في الصيف، ونأكل من ثمرها، كنت أحب تلك الشجرة، وأحب رائحة الطين تحتها.
كان أخوتي الكبار يساعدون أبي في أعمال الزراعة، وأنا كنت أساعد أمي في أعمال الخبيز، وكنت أذهب معها إلى الطاحون، نطحن الحبوب، ونعود بالطحين الابيض، وقد أمتلئت ملابسنا، ووجوهنا باللون الأبيض، لون قلوبنا وأحلامنا البسيطة. ما أحلى طعم ذلك الخبز من الفرن الطيني. لم أتأخر يوماً عن مساعدة أمي، وكذلك أخوتي الكبار كانوا يساعدون أبي، في أعمال الزراعة وتربية الماشية، وعلى الرغم من ذلك كنا متفوقين، في كل مراحل الدراسة. كنا نذاكر أنا وأخوتي دروسنا على لمبة الجاز، لم تكن الكهرباء قد وصلت إلى القرية، في ذلك الوقت. وصلت الكهرباء إلى القرية، بعد أن حصلت على الثانوية العامة، في القسم الأدبي، ثم ألتحقت بكلية التربية، قسم اللغة العربية، بجامعة أسيوط.
كانت أمي تربي أنواع كثيرة من الطيور، والحيوانات داخل سور البيت، منها البط والآوز والرومي والدجاج والأرانب؛ التي كانت تتكاثر بأعداد كبيرة وتعمل لها أنفاق تحت الأرض. كنت أنزعج كثيراً عندما يقوم أحد أخوتي الصغار، بإزعاج الحيوانات والطيور، وجعلها تهرب وتطير هنا وهناك.
كنت أحب تربية الحمام كثيراً، كان لدينا عشش من الطين، فوق سطح البيت، مقسمة إلى غرف صغيرة، وبها فتحات تهوية من أعلى. الحمام من أجمل الطيور؛ أكله نظيف، وشكله جميل، ينظف نفسه يومياً، بالاغتسال بالماء.
إبتاعت أمي ذكر حمام رومي، من أمرأة من الغجر، والذين كانوا يأتون إلى القرية، لبيع الحنة والعطور والزيوت…
وضعت أمي ذكر الحمام الرومي، مع أنثي من الحمام، داخل أحدى الغرف الموجودة في العشش الطينية، وأغلقت عليهم لمدة ثلاثة أيام. عندما فتحت لهم في الصباح خرج الذكر بمفرده وترك الأنثى؛ فيما معناه أنه لم يتم التألف بينهم.
إبتاعت أمي من نفس المرأة الغجرية؛ المغرمة بتربية الحمام، أنثي من نفس النوع. كان ذكر الحمام الرومي، ريشه أبيض وعليه نقط سوداء، وزيله أسود. أما الأنثى؛ فريشها أبيض وعليه نقط سوداء، وزيلها أبيض.
وضعت أمي زوج الحمام، داخل أحدى الغرف، كما فعلت في المرة الأولى. عندما فتحت لهم باب العشة في الصباح، لم يخرج الذكر ويترك الأنثى كما فعل في المرة الأولى، لكنهم أخذوا يلتفون حول بعضهم، صادراً منهم صوت هديل الحمام؛ إشارة إلى أنهم متألفين مع بعضهم. طارا سوياً للتعرف على المكان، ثم عادوا للعمل، في بناء العش الخاص بهم. الحمام لا يسكن في الاعشاش الجاهزة، ولا يستخدم الكش الذي يوضع له داخل العشش الطينية، يفضل أن يبنى عشه بنفسه، ويجمع الكش من الحقول الممتدة خارج القرية. لا يريد أشياء جاهزة سهلة، بدون أن يبذل مجهود في الحصول عليها!. ليت البشر يتعلمون منه. كان يغير عشه، ويقوم بجمع الكش من جديد. كان يقوم بذلك العمل كل شهر تقريباً.
باضت أنثى الحمام الرومي، وبعد خمسة عشر يوماً؛ فقش البيض أنثيين من الحمام. وبعد مرور خمسة عشر يوماً، باضت الأنثى مرة أخرى.
مر شهر ونصف، ثم قام ذكر الحمام بتعليم أبناءه الطيران. في البداية كان يعلمه الطيران على الأرض، يحريك الأب جناحيه، ثم يضربهم بجناحيه، كي يستفذهم على الطيران، لمسافات قصيرة، فوق العشش الطينية، الموجودة فوق سطح البيت. مرة بعد مرة يتعلمون الطيران، ثم يخرج معهم الأب والأم، لتعريفهم المكان، حتى لا يضلون الطريق. بعد ذلك تم تألف الأنثيين مع ذكرين من نوع أخر بنجاح.
تتم عملية التألف بين الذكر والانثى، بأن يبدأ الذكر بالاستعراض أمام الأنثى، حتى ينال إعجابها. ينفش ريشه، يحدثها بلغة الحمام، التي يعرفونها، يطاردها على الأرض، وينكر بمنقاره الأرض، كأنه يلتقط الحبوب، تطير الأنثى يتبعها ويطير خلفها. يقوم أكثر من ذكر بعمل تلك الطقوس، لكنها في النهاية تختار ذكرا واحدا من بينهم. ويتم ذلك بأن يمسح كل منهم منقاره في الآخر، يلتف كلا منهم حول الآخر؛ نافشاً ريشه، ثم يطيران معاً. بعد ذلك ينسحب الذكور الآخرين.
ينام الحمام عند غروب الشمس. تدخل أزواج الحمام، إلى العشش الطينية، تنام بالقرب من البيض، والذي يركض عليه أحدهم.
عند طلوع الفجر، كانت تصعد أمي إلى السطوح، وتفتح أبواب الأعشاش الطينية، وتفتح جميع المنافذ الصغيرة. يخرج الحمام فرحاً، رافعاً صوت هديله العزب، يسبح الخالق، ويحمده على اليوم الجديد، متنقلاً من مكان إلى آخر، فوق سطح البيت. تضع أمي الحبوب دخل الأعشاش الطينية، وخارجها، حتى يتمكن من عليه نوبة الركاد على البيض، من الإفطار داخل العشة. كنا نغير لهم الماء كل يوم، وفي الصيف نغير لهم الماء مرتين في اليوم، يستحم الحمام يومياً، ويغسل رأسه وريشه بالماء.
بعد الإفطار يطير الحمام خارج البيت؛ ذاهباً إلى أماكن بعيدة خارج القرية، ثم يعود ومعه حبوب قد لا يكون موعد زراعتها الآن، ولا يعرف من أين يأتي بها، ويطعم منها أبناءه الصغار. أصبح لدينا أعداد كبيرة من الحمام. يذهب الحمام ويعود إلى أعشاشه، لكنه لا يضل الطريق، لانه تعلم جيداً من والديه. مرت خمسة عشر عاماً، على وجود زوج الحمام الرومي لدينا، أنقطعت أنثى الحمام الرومي عن البيض. حام ذكر الحمام حول أنثى أخرى، ونفش ريشه ونقر بمنقاره الأرض، حتى تم التألف بينه وبينها، طرد زوجته القديمة من المكان المخصص لهم داخل الأعشاش الطينية، قام ببناء عشه الجديد من الكش. في البداية كان كل حمام العشة الطينية، يضربون زوجته الجديدة؛ تعاطفاً مع الحمامة الأم!، لكنهم تقبلوا بقائها من أجل ذكر الحمام الأب!.
باضت زوجته الجديدة، وتبادلا الركاد على البيض، أنتهت فترة فقس البيض، دون أن يفقس، فيما معناه أنه لم يتم تخصيب البيض، من قبل ذكر الحمام الأب.
ذبلت الحمامة الأم ومرضت، تم فصلها عن باقي الحمام، حتى ماتت. أنكسرت قدم ذكر الحمام الأب، بسبب غير معروف، كأنه أخذ جزاء الإساءة، لزوجته الحمامة الأم، وهي في أخر عمرها. أشتد عليه الألم. مع كبر عمره لم يستطيع المقاومة، ومات بعد فترة قصيرة، من موت الحمامة الام.
مر أكثر من ساعتين، والأم تحكي، وأبناءها ملتفين حولها في صمت، يستمعون مستمتعين بما تقصهم الام عليهم، من قصص ذلك الزمان الجميل، لا يريدون أن تأتي الكهرباء، كي تستمر الام في سرد حاكيتها، التي لا يملون من سماعها.
أكملت قائلة: تزوجت والدكم، وتركت بيت أبي. هدم أخوالكم البيت، وقطعوا شجرة السدر، وهدموا السور. بنوا بيتهم الموجود الآن، بالخرسانة المسلحة على كامل المساحة. أختفت تلك المساحة الكبيرة من الاراضي، التي كانت بجوار البيت، قام أصحابها بالبناء عليها أيضاً. لم يبقى من ذلك الزمن إلا شجرة الجميز العتيقة.
وصلت الكهرباء. عاد الجميع من هذه الرحلة، عبر الزمن الماضي، وصولاً إلى الحاضر، بكل ما فيه من وسائل المدنية والتكنولوجيا، التي أستعبدت الإنسان، وأبعدته عن الأشياء الجميلة، وأخذت من وقته الكثير ربما دون فائدة.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى