ط
الشعر والأدب

زيارات متباعدة قصة قصيرة بقلم الشاعر والكاتب / بكر بسيونى

قصة قصيرة

بقلم / بكر بسيوني

……

_____ ( زيارات متباعدة )

ما بين الواقع و الخيال ….

كما عودتني دائما كلما ضاقت بي الدنيا و إشتد بي الحزن و إزداد بي الشعور بمرارة الوحدة و عطش الحرمان ، تأتيني مبتسمة بإبتسامتها المضيئة المعهودة فاردة ذراعيها ، أجري إليها في لهفة و شوق ، ألقي بنفسي في أحضانها مستسلما باكيا ، لتضمني في حنان و رفق و تطبع قبلة حانية علي جبيني الذي أنهكته قسوة البشر و كدر الحياة و جعدته أحزان الزمن … فدائما ما تعيد لمسات شفاهها لجبيني العابس نضارة طفولته البريئة و تورد فيه شقاوة الصبا ، اترك رأسي تستلقي علي صدرها الذي بللته دموعي ألتي سالت تشكو إلي حنانه لوعة الحرمان و مرارة الوحدة

أسألها : لماذا تأخرت كل هذه السنين و لم تأتي .. هل أغضبتك في آخر زياراتك لي !؟

تجيبني بإبتسامتها ، تلك الإبتسامة الهادئة الحنونة ، تضمني بشدة إلي صدرها مداعبة رأسي بشفاهها ، أشعر براحة يدها تمر علي شعري بحنان نادر .. فأشعر أنني مازلت هذا الطفل المشاغب ، فلطالما تدللت عليها ، و ما كان تدللي عليها يغضبها ، ولا تصرفاتي الصبيانية الطائشة تضايقها .. مازالت تحتويني بين زراعيها و عيناي متشبثة بإبتسامتها ألتي لم تفارقها ، أنحني قليلا لأقبل كفيها ، ثم أنحني أكثر فأكثر .. أسجد لأقبل قدميها ، ترفعني لأعلي بكلتا يديها ، أعانقها بشدة .. أهمس في أذنها ( حبيبتي لا تتركيني ) خذيني معك ، لكنها تتسلل من بين ذراعي في خفة ، ثم تبتعد رويدا رويدا و هي تلوح بإشارة لم أفهمها .. أظل متجمد في مكاني ، لا أملك إلا أن أنظر إلي دائرة ضياء إبتسامتها ألتي مازالت تتسع أكثر فأكثر فأكثر لتتلاشي شيئا فشيئا ، حتي غابت لأعود إلي ظلامي الدامس و الخوف من الوحدة

تنطلق من أعماقي صرخة تخترق صمت الليل الموحش .. يضج بها سكون الكون الأخرس ( أمي أميييييييييي )

لكنها كعادتها ذهبت و لم ترد و لم تسمع لصراخي صدي ، تمنيت أن لا أصحو من نومي أبدا إنتظارا لزيارتها القادمة

بكر بسيوني

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى