ط
مسابقة القصة القصيرة

سوق الخميس..مسابقة القصة القصيرة بقلم / محمد الهمامى

محمد ابوبكر عرابى رزق الشهير محمد الهمامى
مصر
قنا
نجع حمادى
01061000772
فرع القصة القصيرة
****
سوق الخميس
…………

كان أبي رحمة الله عليه يجيد زراعة البطيخ، كان البطيخ في زماننا اشتهاء، له مذاق خاص، خصوصا إذا كان إلى جواره “الجبن القديم” ذو الحمرة الداكنة، مع العيش الشمسي، نجلس في ظل شجرة السنط أو تحت غزة قصب، وغزة القصب هي مفهوم لمجموعة من عيدان القصب مربوطة مع بعضها بواسطة نبات “الحلف” أو بحبل من ليف “لوف” النخيل، نجلس ونلتهم ما طاب من البطيخ مخلوطا ببهارات الجبن القديم ذي الرائحة الشهية.
عندما يحين ميعاد جني البطيخ نتهلل فرحا، سوف نذهب إلى سوق الخميس – وما أدراك ما السوق، كل ما تشتهي طفولتنا المحرومة هناك: الطعمية وشعر البنات والفول النابت والحمص – نقوم بجني البطيخ عصر الأربعاء ونجمعه على شاطئ النهر، قبالة أرضنا، نصحو الفجر في لننتظر البط، والبط هو مركب شراعي يحملنا إلى السوق عبر النهر، ينقلنا من الضفة الشرقية – حيث زراعتنا – إلى الضفة الغربية حيث سوق الخميس بالرئيسية.
الرئيسية هذه هي بلد الخال فهمي بك عمر رئيس الإذاعة، وبها سوق الخميس، وهو أقرب سوق إلى بلدتي “الجزيرة الصغيرة” التي تقع وسط النيل، نفترش أرض السوق، وفي السوق تتعالى أصوات متداخلة ومتشابكة كلها بنكهة البيع: حمرا يا قوطة، ببلاش يا بصل، قرّبي يا ست عليكي السمك وعلينا التقالي، التوم موش ملكوم تفطر عليه وتصوم، قرّبي يا ست.. قرب يا حج، شعر البنات، قرّبي يا ست الستات.
كلها أغانٍ ومواويل تتغنّى بالبيع، وما بين شطارة التجار وتلك المسميات تبقى الذاكرة حبلى بعفويتها، نبيع ما لدينا من بطيخ ونحمد الله، نتسوّق ما يلزمنا وينقص بيتنا، نتجمع في البط ثانية لنواصل رحلة العودة محملين بما لذ وطاب من السوق، فضلا عما يجمعه والدي من غلة معقولة من النقود، وفي طريق العودة تختلف الصورة، أناس تعلو وجوههم ابتسامة رضا لأنهم باعوا واشتروا، وآخرون عادوا ببضاعتهم كاملة أو بجزء منها، كل ما جنوه هو التعب وثمن الرحلة، لكنهم حامدون لربهم على كل شيء، وكل ما يتبقى لنا – نحن الصغار – الحمص وشعر البنات وحكايات السوق.
نجتمع بأقراننا بعد العودة لنحكي لهم عن السوق، وعن ذلك الرجل “فصّاص الغنم” الذي يضاهي نخلتنا في طولها، ونصف جلسته على الأرض بينما لم يجاوزه أطول رجال القرية، نحكي لأقراننا عن الرجل المجذوب وكيف كنّا نرتجف عند اقترابه من بضاعتنا، لكن وجود أبي إلى جوارنا كان يبعث الطمأنينة في قلوبنا، فنكتفي بالنظر إليه فقط، خائفين متعجبين من منظره المتعفن حدّ الجرب، ومن عينيه المضيئتين بالشرر المنبعث منهما،
وتبقى حكايات السوق في ذاكرتنا، ويبقى الاندهاش بما حكينا في عيون وعقول أقراننا.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى