ط
مسابقة القصة القصيرة

ضاع الحلم ز مسابقة القصة القصيرة بقلم / هاجر عبد الباقى من الجزائر

(( ضاع الحلم )) مسابقة القصة القصيرة / هاجر عبد الباقي من الجزائر
الأسم ‘هاجر عبد الباقي وهران الجمهورية الجزائرية.
العنوان [email protected]
عنوان القصة.
ضاع الحلم
أتذكر ذلك اليوم جيّدا، كنت خارجة كالعادة من مكتبي، ركبت سيارتي فإذا بهاتفي يرن، المُتصل كان رقما خاصا، أجبت على غير عادتي، فجاءني صوتك يومها قائلا:
صباح الخير كيف حالك؟
أجبتك : من معي؟
قلت لي: لماذا أنت عصبية يا سيدتي، قلت مساء الخير على الأقل رُدّي التحية أولا.
لا أعلم كيف أنّي لم أقفل الخط يومها، واسترسلت في الحديث معك قائلة: لهجتك غريبة تبدو أجنبيا، أخبرني ما وطنك؟
قلت لي: ذاقت بي كلّ الأوطان ولا وطن لي فهل تقبلين أن تكوني أنت وطني؟
أجبتك ممازحة: بنعم، وابتسمت أنا وصمت أنت.
ووحده القدر ضحك كثيرا، ذلك أنّي لم أكن أعلم يومها أنّك أنت من ستصبح وطني، وأنّني سأصبح إحدى شهداء هذا الوطن.
في صوتك كان سحر ما، حنين ما، نبرة حزينة تحاول أن تدعي عكس ذلك، شيء ما شدني إليك وجعلني أُدمنك لدرجة أنّك أصبحت في أيام معدودة في خانة الأشياء المهمة عندي، الّتي لا أستطيع الاستغناء عنها.
لقاؤنا كان يوما للدّهشة، كنتُ أكثر حسنا ممّا توقعت أنت، وكنتَ أقل جمالا ممّا توقعت أنا، لكن ما كان بيننا كان يتعدى الشكل والجمال، كان قد حصل بيننا انجذاب روحي كبير، لذلك قرّرنا أن نتقبل بعضنا كما نحن وألّا نفترق أبدا، بمفهوم آخر أصبحت أنت أنا وأصبحت أنا أنت، واتفقنا أن نتزوج في أقرب الآجال.
حولت عملك إلى المدينة التي أقيم فيها ممّا أثبت لي حبّك وجديتك، استمرّت لقاءاتنا في نفس المقهى الذي التقينا فيه للمرّة الأولى، أصبحنا نشتاق لبعضنا كثيرا، كُنت في كلّ مرة توصلني إلى المنزل، وتتصل بعدها مباشرة قائلا: هل تصدقين أنّي اشتقت إليك، أنا مدمن يا رجاء لا أقوى على العيش بدونك، وفي الصّباح استيقظ على صوتك الدّافئ يقول: لن أقول لك صباحك سكر أنت السكر الذي تحلى به الأيام.
عندما تقدمت لخطبتي كنت أحسّ نفسي أسعد النّاس، كان من الصّعب إقناع والداي في البداية بزواجنا لأنّك كنت أجنبيا، وكانا يخافا علي كثيرا، لكن لأنّني أصريت كثيرا وقفوا عند رغبتي، كنت أطير كعصفورة خرجت من قفص، عشت سعادة لم أحسّها من قبل، لم أكن أر فيك رجل حياتي فحسب، بل وطنا كاملا يحتويني بكلّ ما فيه.
مازلت أتذكر عندما زرتك في بيتك، لأول مرة وجدت نفسي أقف معك وحدنا وجها لوجه، وباغتني من الخلف ثمّ حضنتني، ثمّ منحتني قبلتي الأولى عندما استدرت إليك، كانت علامات الخوف بادية على وجهي يا حسام وأردتُ الهروب منك، فأمسكت بيدي قائلا: هل تخافين منّي انظري إلى عيناي وأخبريني هل تخافين منّي، أنا حسام يا رجاء أنا حسام الذي يخاف عليك أكثر ممّا يخاف على نفسه، ثم حضنتني بدفء وحنان، حضنك منحني حياة جديدة يا حسام في ذلك اليوم، أشياء كثيرة غيرتها بداخلي، أصبحت أتنفسك ولا أعيش إلّا بك، فلماذا آذيتني لهذه الدّرجة.
كنت سعيدة جدّا وأنا أحضّر لزفافنا، وهل هناك أجمل بالنّسبة لامرأة من الزّواج بالشخص الذي تحب، اشترينا معا أثاث بيتك الذي كان شبه فارغ ، صبَغته على ذوقي، لمساتي كانت على جدرانه، كنت لا تضيف شيءا فيه إلا وطلبت رأيي، اخترنا أسماء أولادنا القادمين، كنت تقول.” راح نختير مع بعض حبيبتي ونشوف أولاد أولادنا”، كنت سعيدة جدّا وكنت تبدو سعيدا أيضا.
أتذكر عندما أتى الإمام بصحبتك لبيتنا لقراءة الفاتحة، كنتُ أطلّ عليك من فتحة في الباب، كنت غارقة في أحلامي، عندها صدقت بأننا حقا أصبحنا أنت أنا وأنا أنت، أتذكر أيضا عندما تمّ عقد زواجنا بصفة رسمية همست في أذني قائلا: أصبحت حلالي، أنت زوجتي الآن بالشرع والقانون، لا يمكنك الهروب منّي مجدّدا يا مُحتالة، ولن تخافي منّي بعد اليوم.
كان عيد ميلادك قبل حفل زفافنا بثلاثة أيام، يومها اتصلت بك، فقلت أنّك في مكتبك، مشغول بإتمام بعض المهام العاجلة، لم أرد أن أفوت الفرصة، وأردت أن أكون إلى جانبك، اشتريت كلّ ما يلزم للحفلة، وقررت أن أسبقك لمنزلك لأجهز لك غداءا ونحتفل بالمناسبة، لم تتوقع قدومي يومها يا حسام واعتقدتُ أنا أنّك حقا كنت في عملك.
بمجرّد وقوفي أمام الباب سمعت قهقهتك وضحكة نسائية تتعالى من الدّاخل، شلّني ذلك، تسمرت في مكاني، ثمّ فتحت الباب بهدوء ودخلت، اقتربت من غرفتك وأنا أمشي على رؤوس أصابعي، ويا لهول المنظر، امرأة شبه عارية في حضنك تعبث بشعرها، في سرير كان من المفروض أن يكون سريري، في غرفة كانت ستكون خاصتي، في منزل أملك مفاتيحه، لقد صُعقت يومها يا حسام، لم يكن قد تبقى سوى ثلاثة أيام على فرحنا فلماذا فعلت ذلك يا حسام لماذا؟
كان سيُغمى علي في تلك اللّحظة، وتمنيت لأوّل مرة في حياتي أن أموت، لكنني تمالكت نفسي، مازال صوتك في أذني: رجاء انتظري، رجاء لا تذهبي أرجوك سأشرح لك، لم أُعِرك اهتماما، تركت لك هدية عيد ميلادك التي كنت أحملها عند الباب، ركبت سيارتي التي رحت أقودها كمجنونة بأقصى سرعة وبعدها لا أذكر شيءا، لم استيقظ إلا وأنا أجد نفسي بين جدران غرفة زرقاء، وسرير فارغ بجانبي، وأوّل ما تذكرته أنت وهي تتقاسمان سريرا واحدا، لماذا لم أفقد الذاكرة يا اللّه، لماذا عدت وطعنتني يا حسام حتى وأنا أفيقُ من غيبوبة دامت أربعة أيام.
لماذا تتصل بي وتحاول رؤيتي الآن، لا تطرق أبوابي مجددا يا حسام، تعلّم فن الرحيل، عندما ترحل لا تبحث عن الكلمات ارحل بصمت، عندما ترحل ارحل دون أن تنظر وراءك بدون ألم وبدون ندم أبضا، عندما ترحل ارحل وفقط، دعني وشأني، قد ألقى في طريقي الأجمل.
ثمة أوطان تصون وأخرى تخون، ثمة ألم يُلغي ما كان قبله من آلام، ثمة غدر لا يليق به أن نسميه غدرا، ثمة خيانات يبدو لنا أنّ ما كان قبلها مجرّد شبه خيانات، ثمة حزنٌ يُخجلنا من أن نُسمي ما عشناه قبله أحزانا، ثمة هول فاجعة يُنسينا في كلّ الخيبات التي مررنا بها، ثمة مآسي نعيشها تمحو ما كان قبلها من مآسي، ثمة انكسارات يستحيل أن نلملم أشلاءنا المتناثرة بعدها، ثمة فقدان يصبح كلّ ما نملك بعده يساوي الصفر، ثمة جرائم حب لا تُغتَفر، ثمة أنا وثمة أنت شخصان غريبان بعدما كنتَ أنت أنا وكنتُ أنا أنت” .قتلتني وحلمي ضاع.

بقلم الكاتبة هاجر عبد الباقي (الجزائر)

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى