ط
مسابقة القصة القصيرة

ضد التيار .مسابقة القصة القصيرة بقلم / وفاء حسن محمد من مصر

وفاء حسن محمد
البلد:مصر
موبايل :01207012787

مسابقة همسة فئة القصة القصيرة

ضد التيار

… على عكس قَدَر جمال دُعاء كان حظها من الدنيا ,وبرغم من زواجها ممن أحب قلبها إلا أن هذا لم يكن أحد حظوظها التى ظنت أنها قد نالتها , بل بالعكس فقد كان قدرها الأسود الذى غير حياتها وجعلها تتلون بألوان لاتمُت للحياة , فقد كانت صغرى أخواتها ولم تكن مدللة كالأخريات , ولكن لخروجها للعمل مبكرا كانت لها شخصيتها المستقلة التى دفعتها عندما نبض قلبها إلى أن تتحدى أسرتها , وتقف فى وجههم مُعلنة العصيان , وأنها ستتزوج ممن أحبه قلبها مهما كانت النتائج فقد رفضت أسرتها ذلك العريس فلم يكن الزوج المنتظر لإبنتهم , وتحقق لها ما أرادت وحلمت وكان الثمن غالى , حيث لفظتها أسرتها وقطعت علاقتها بها , ووقفت يوم عرسها بدون أب بجوارها أو أم أو حتى إحدى أخواتها , تزوجت دعاء ورحلت عن مدينتها التى عاشت فيها طفولتها وصِباها , رحلت عن ذكرياتها وصديقاتها , وبدأت حياتها فرحة بوجودها بجوار من أحبه قلبها يكفيها هو فقط , هو الأب والأخ والصديق , حبه يشبعها حد الإكتفاء فلم تعد بها حاجة إلى أم أو أخت أو صديقة هو فقط كل الحياة وما بعده هو العدم , سارت الحياة بدعاء وزوجها بحلوها ومرّها , ولكنها كانت تتغلب على كل شئ برصيد الحب الذى تحمله لزوجها , ولكنه كان له من الطباع التى تنغص عليها حياتها , لدرجة أنها كانت أحياناً تشعر بالندم لإختيارها خالد زوجاً لها , ثم تقنع نفسها بأن الحب كفيل بتغييره , فقد كان كثير الشجار والسباب بسبب وبدون سبب بعد أن كانت لاتسمع إلا كلمات الحب والغزل , فقد كان خالد شديد الغيرة بسبب وبدون سبب , وغيرت الغيرة حياتهم إلى جحيم , حتى بعد قدوم طفلتهما الجميلة والتى كانت ترث جمالها , ولكنه لم يتغير فى شئ بل زادت حدة الخلافات وتطورت إلى حد مد الإيدى , ونالها منه مانالها ومالم تكن تتوقعه ممن عشقته حد أن تتخلى عن أسرتها وموطنها ,وظنت أنه قد يكون مثل باقى الرجال الذين يحلمون بالعائلة ليستمر إمتدادهم , وتقرر دعاء الإنجاب مرة أخرى بالرغم صغر سن طفلتها التى لم لم تكن حصلت على حب والديها بعد , وتحقق لزوجها ما كانت تظنه الحلم وأنجبت الولد الذى ظنت أنه سوف يعيد طائر السعادة ليرفرف مرة أخرى على حياتهم , ولِما لا وهى قد جاءت بالولد أو بالوتد كما يحلو للرجال التسمية, فهو أمتداد لهم ولأسمائهم فى الدنيا وكأن الولد يأتى ومعه كنوز قارون , إنها تلك النظرة السطحية والتفرقة بين البنت والولد , وظنت أن خالد سوف يعود له إتزانه وحبه الذى فقدته , ولكن دائما لا تأتى الرياح بما تشتهى السفن , فقد حدث مازلزل حياتها وأنهاها وليس قلبها رأساً على عقب ,فقد صدمها زوجها بقوله أن هذا الصبى ليس ولده …ياألله كيف له أن يقول هذا إنه بذلك يهينها ويتهمها فى شرفها ويسخر من عفتها وهو يعرف أخلاقها جيداً, ألم يلاحظ هذا الشبه الكبير بينه وبين إبنه فقد كان يشبهه تمام الشبه كما كانت طفلتها تشبهها , أكيد قد جنّ ولا يعقل أن يكون بكامل عقله لكى يقول ذلك ,وذهبت كل محاولات إقناعه بإبوته لهذا الصبى هباء فقد صمّ أذنيه وأغلق عينيه ولم يرى للحقيقة آية أثر , ولم يستمع لكلام العقل ولم يتأثر بمفهوم المنطق فقد أصدر قراره وهو الإنفصال والرحيل عن دعاء وأبنائها , تم الطلاق ,تركها وترك الأطفال دون الإحساس بأدنى مسئولية عن تلك الأسرة التى ستقف فى مهب الريح بمفردها دون عائل , ذهلت دعاء لموقف خالد الذى لاوجود لمبرر له أو مجرد دليل صغير لإتهاماته , وقفت لاتعى ماحدث حتى الآن فلا قلبها ولا عقلها يصدق ماحدث ولا ما سمعت , وقفت لاتعرف ماذا تفعل وماهى خطوتها المقبلة , فعليها الآن أن تواجه الحياة بمفردها فقد باعت أسرتها وتنازلت عنها مقابل شخص واحد هو خالد الذى بدوره باعها الآن وباع أطفاله معها , وضاع الأمن والأمان ,ولكن الآن يجب أن تعود لهم وترتمى فى أحضانهم فهى ليس لها أحد غيرهم ويجب أن يحتووها ويحتووا أطفالها فهى مهما كان إبنتهم وأطفالها هم أحفادهم , ولن يطردهم , ولكن وآه من لكن تلك فلم يكن أهلها كما عقلها أوهمها, فقد قتلت الفرحة فى قلوبهم بأن يفرحوا بها وأعلنت التحدى والعصيان لهم , وهاهى الآن تحصد ما زرعته من قبل , وهو رفض أسرتها رجوعها إليهم ,فكما أنكرت وجودهم بالأمس جاء اليوم لينكروا وجودها , رجعت إلى بيتها حزينة تجرّ أذيال الندم على ماقدمت ومافعلت من قبل , ولكن ماذنب صغارها لكى يدفعوا ثمن أخطائها , نامت تحتضن الطفلين وتفكر فيما ستفعله , يجب أن تنزل للعمل مرة أخرى لكى تتكفل بحياة هذين الطفلين الذين تركهما والدها دون أن يرجف له جفن , ودون أن يهتم لوجودهم أو لمسئوليته عنهم , وتنائى لها خبر زواجه الذى نزل على رأسها كالصاعقة , وانتهى أملها فى عودته بعد أن علمت بإنجابه من الأخرى , خرجت دعاء للحياة تتقاذفها هنا وهناك , وفى كل يوم عمل جديد ومهنة جديدة فلم تكن تستمر فى أى عمل أكثر من شهرين فى أحسن الأحوال , فدائما هناك من يطمع فيها لجمالها ,فهى مازالت شابة ووحيدة وجميلة وكل الظروف مهيئة أمام الرجال الباحثين عن اللهو والعبث والمتعة الحرام , هكذا ظنوا , وكان الصد والنهر وإيقافهم عند الحد هو التصرف الوحيد أمامها ثم فى النهاية ترك العمل إلى عمل آخر سواء برغبتها أو مرغمة ,فأحياناً كانت تُطرد من العمل لرفضها تصرفات أصحاب العمل المخجلة , فى النهاية استسلمت دعاء إلى تصرفات من حولها فلم يكن هناك سبيل إلا مجاراة الجميع دون أن تفعل ما يُغضب الله منها , ولكنها كانت تغضب من نفسها وتخجل منها فهى تفعل ذلك على غير إرادتها , وعليها لكى تعيش وتربى أبنائها أن تسبح ضد التيار ,وعلى أمل أن تجد فى يوم ما مَن ينتشلها وينقذها مما هى فيه ويرتبط بها , ولكن كل مَن تقرّب منها لم يكن يريد غير إشباع الرغبات والنزوات الحرام , إلى أن تلقت إتصالاً هاتفياً من أحد أشقائها يخبرها بتقدم عريس ثرى عربى لوالدها طالباً يدها , وقد وافق الأب فهو عريس لايُرفض وقد حانت الفرصة الآن لإصلاح العلاقات التى أفسدتها مِن قبل , وافقت دعاء مضطرة لعله القشّة التى ستتعلق بها وطوق النجاة الذى ينقذها مما هى مُقبلة عليه ,والتقت العريس وبدأت المقابلات والأحاديث وشعرت بميل نحوه وحمدت الله على ذلك فلم تجد نفورا معه , وقد كان سبق له الزواج والإنجاب أيضا فحالته تشبه حالتها ولكن أولاده قد تركهم لوالدتهم مثلما فعل خالد معها , وبدأت تخاف أن يكون مثل خالد فى يوم من الأيام , ولكنه كان كريم معها فى كل الأحوال ملبياً لكل طلباتها وكأنها أول حب فى حياته وأول عروس له , وأسعدها ذلك وبدأ يُعد فى منزل الزوجية فى البلد الأوربى الذى يعيش فيه , هاهى الحياة التى حلمت بها والرفاهية التى سوف تكون من نصيبها وليذهب خالد إلى الجحيم وليذهب حبها له معه ,فقد جاء من هو أفضل منه وكأنها عدالة السماء تعوضها عن ماتعرضت له من ظلم على يد من أعطته قلبها , وبدأت تستعد هى الأخرى للزفاف وكأنها ستزف لأول مرة ,وحان الموعد واقترب إلا أنه وكأنها على موعد دائم مع كوارث القدر , فقد فجّر العريس الجديد قنبلة مِن العيار الثقيل وهى رفضه أن تصطحب أطفالها معها , وعليها أن تعُد أوراق السفر لها وحدها أما الأبناء فهو غير مُطالب بتربية أبناء غيره , وعبْثا حاولت إقناعه بأنها لن تستطيع التخلى عنهم بعد أن تخلى عنهم والدهم فهى كل مالهم فى الحياة , إلا أن محاولاتها فشلت فى إقناعه بتغيير رأيه , مما دفعها فى النهاية إلى أن ترفض الإرتباط به ,وتعود إلى مواصلة حياتها كما كانت , تبتسم لهذا وتستمع لمعسول كلام الآخر , وتصمت لأيادى تمتد , ضاع الحلم الذى حلمت به وكانت تأمل أن يتحقق … وعادت مِن جديد تسبح ضد التيار .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى