ط
مسابقة القصة القصيرة

فصة : بأى ذنب . مسابقة القصة القصيرة بقلم / بن ملكة بغداد .. الجزائر

الإسم واللقب : بن ملكة بغداد
الدولة : الجزائر
الهاتف : 213560580588+
لينك صفحة الفيسبوك : https://www.facebook.com/profile.php?id=100009837336172
فئة المشاركة : القصة القصيرة
عنوان القصة : بأي ذنب
بأيّ ذنب
أبو يوسف عامل يومي يخرج من ساعات الفجر الأولى ولا يعود إلا في عتمة الليل بعد صلاة العشاء، فهو دائم الحلّ والترحال بين المدن المجاورة بحثا عما يكسبه قوت يومه، مختص في تركيب خشب تسقيف الخرسانة لمقاولي البناء وينزعه بعد شهر من جفاف السقف وهكذا دواليك، ولما كان ما يتقاضاه لا يفي بسد متطلبات الأسرة التي تعيش بالاستدانة من بقالة الحي التي أثقلت كاهله وامتنع التجار من تقديم يد العون له لكثرت ديونه، وبغية تدارك الوضع قرر ممارسة شغل الحمّالة بسوق القرية طيلة شهر الانتظار طمعا في جود المحسنين ببعض المال، فتحمل وصبر من أجل أسرته التي لا تصنف حتى ضمن الطبقة المتوسطة، أكبر أولاده انتقل إلى السنة الأولى ثانوي، هذا الانتقال كان بداية لمشاكل لا حصر لها فالمؤسسة الجديدة تبعد بحوالي خمسة كيلومترات مما يعني توفير مستحقات النقل والغذاء والأدوات المدرسية و يتطلب ذلك دخلا مستقرا للأب الشيء الذي يفتقده، و أمام هذا الوضع قرر الابن وبرغبة شديدة ترك الدراسة لمساعدة والده ليجنبه إهانة تجار الحي، لكن الأب كان آلمه أن يرى فلذة كبده يضيّع مستقبله مثله وذهب إلى مدير الثانوية يستعطفه بعدما تناهى إلى مسامعه أنه شهم ويسعى دائما لمساعدة البسطاء، وفعلا فقد استقبله بحفاوة وأعاد له الأمل بمنحة دراسية تكفي لتغطية حاجيات ولده، مما زاده إصرارا في تشجيع ابنه على الدراسة بكل أريحية..وعلى هذا الأساس اجتمع به و أخذ يحثه بأن يركز على طلب العلم وينسى تفاصيل حياته ولا يشغل باله بالأوقات العصيبة التي تمر بها العائلة ولا ينتظر استعطاف الأساتذة والتلاميذ، بل سيحتقرونه إذا ما عرفوا حقيقته وتنهار قواه وبالتالي يتقهقر مستواه الدراسي، ومع مرور الأيام وهو يثابر بلا كلل ولا ملل حتى أثبت أنه طالب متميز وتحصل على المرتبة الأولى على مستوى المؤسسة، لكن تفوقه لم يشفع له عند مدرّسة الرياضيات التي تحتقره لملابسه الرثة وهو يتألم في صمت ويتظاهر بعدم الاهتمام ليبقى بعيدا عن الصّراعات امتثالا لوصية والده، هذه الأستاذة يتحاشاها الجميع لتكبُّرها وتتعمد أن تُبقي مسافة بينها وبين الآخرين على أساس أنها بنت أكابر ومدللّة أبوها وفوق ذلك تحسب كل همسة عليها، مما كوّن لديها مركب نقص حاد، ولقلة خبرتها وصغر سنها كان التعامل معها جد صعب، لأنها تنفعل لأتفه الأسباب، هذه التصرفات جعلتها تكره الجميع، حتى المدير أصبح يتحاشاها ونبّه الأساتذة باجتنابها قدر المستطاع، ومع ذلك بادر الأساتذة بإدماجها في الوسط الذي تمتاز به الثانوية بفضل مديرها الطيب، إلا أنه رغم المبادرات الحسنة فهي لا تبدي لينا ولا تساهلا وتتمسك بموقفها حتى وإن كانت مخطئة، لكن وبفضل أسلوب المدير في التعامل مع هكذا حالات غيرت عاداتها المألوفة وأظهرت بعض اللين وقللت من تشددها تجاه الجميع، غير أن الأمر كان بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة فذات صباح وبعد دخول التلاميذ إلى الصف سمعوا لها صوتا رهيبا وتجري مسرعة لمكتب المدير ودخلت عليه وهي تعد أنفاسها فأجلسها وطلب منها الإفصاح عما تريد فقالت باكية متلعثمة: إن هناك تلميذ في القسم يتغول علي، ففهم أن مصدر الصوت كان من قبلها، فهدأ من روعها واصطحبها لمعرفة السبب، فتوجهت نحو التلميذ وطلبت منه الوقوف، فذُهل المدير وقال: أستغفر الله! أتريدينني أن اصدق هذا؟ إنه أحسن تلميذ في الثانوية وأعرفه عز المعرفة وأظنك مخطئة يا استاذة، فهذا فخر الثانوية ونتشرف به جميعا، وفوق ذلك فهو لا حول له ولا قوة، ثم ضرب كفا بكف وقال هذا المسكين لا يؤذي بعوضة حرام عليك يا أستاذة، فصاحت قائلة: أتكذبني أمام التلاميذ؟ هذا ما كان ناقصا.. المدير هادئ ويزن الأمور بميزان الحكمة.. رد عليها بهدوء: تفضلي لنتحدث في المكتب.. خرجت وهي تتمتم بكلمات الحسرة ثم قالت: إما أنا أو هو في هذه المؤسسة فقال المدير: إسمعي.. منذ قدومك لهذه المؤسسة وأنا الاحظ تهورك وكنت أغض البصر بسبب صداقتي لأبيك وهذا ليس معناه أني أطلق لك العنان لتتصرفي كما تشائين فلا تدفعيني لاستعمال صلاحياتي.. أحذرك وللمرة الأخيرة، أولا هذا الطفل فقير وقد كسر الإملاق ظهره ألا ترين الثياب الرثة التي يرتديها في عز الشتاء؟ وان أباه يلهث من أجل تحصيل قوت يومه.. ألم تلاحظي حالة والده في اجتماع أولياء التلاميذ؟ ألم تهتزي لذلك؟ فقالت أنا أستاذة ولست عمر بن الخطاب.. فتنهد المدير وقال رضي الله عنك يا عمر، لا حول ولا قوة إلا بالله.. ولما رأى إصرارها أمر باجتماع المجلس التأديبي وأدين التلميذ بالطرد لمدة ثلاثة أيام وإعذار مرسل لأبيه.. لكن هذا الأخير تلقى الإعذار بضيق صدر ونرفزة لا تضاها وانتظر ابنه لدى الباب قائلا: أهذه مكافأتك لي يا بن الكلب؟ أنا أعاني وأصارع من أجل الظفر بما أسكت رمقك وأنت تلعب دور “الفتوة ” بارك الله فيك على مجازاتي بهذه الوقاحة.. ستذهب معي إلى الورشة وتساعدني على تحميل ألواح السقف من الطابق الأرضي إلى الثالث كعقوبة على تقاعسك في الدراسة لمدة ثلاثة أيام، فذهب يحمل رجليه كما يقال فهو نحيف الجسم ولا يقوى على تحمل المشقة من شدة الجوع ويومها كان مريضا وأبوه يعرف ذلك إلا أنه لم يعره أي اهتمام وأمره برفع الأخشاب إلى أعلى طابق.. فعل ذلك عدة مرات وفي إحداها انتابه العياء لفرط الجوع وخاف من ردة فعل أبيه فتظاهر بالتحمل. فالمسكين يعلم جيدا أن أباه لم يجلب الأكل إلى الورشة لأنه لا يملك المال لذلك، وبدأ يمشي بخطى متثاقلة ودوار في رأسه كأنه دوامة. وفي لحظة ودونما وعي وقع من الطابق الثاني على الأرض جثة هامدة، ولما تفقده أبوه راح يبحث عنه وهو يتوعده فإذا بأصوات أطفال تتعالى بالصراخ تنذر بحدث جلل فألقى نظرة إلى الأسفل فإذا بابنه ملقى على الأرض، نزل مسرعا فإذا به غارقا في دمه، عندها جلس بجانبه واضعا رأسه على ركبته وهو يصرخ بأعلى صوته فاجتمع حوله أهل الحي يواسونه وطلب من أحدهم أن يتصل بمدير الثانوية ليبلغه الخبر فحضر طاقم الإدارة وكل الأساتذة بما فيهم المدير وهم يتحسرون من شدة هول الواقعة.. يومها كانت الأستاذة في عطلة ولم يخبرها أحد، فتمت مراسيم الدفن مساء ذلك اليوم. وفي الصباح خيم السكون على المكان فالكل حزين والثانوية في حداد، ولما أقبلت الأستاذة مبتسمة وهي تلوح بمفاتيح سيارتها، وعند دخولها مكتب المدير وجدت كل الأساتذة مجتمعين- وهي لا تدري بأمر التلميذ- فقالت: سبحان الله! التلاميذ في الخارج كالملائكة، اضرب واحد يصطف الجميع، فلم يردوا عليها فأحست بالريبة فقال المدير: يبدو أنك لم تسمعي بما حدث؟ لقد مات التلميذ الذي تسببت في طرده فردت مفزوعة ماذا؟ نعم لقد سقط من الطابق الثاني ولقي حتفه، فوقعت مغمي عليها وحولت إلى المشفى وبعد خروجها عادت إلى المؤسسة فواجهها التلاميذ مرددين كلمة واحدة: قاتلة.. قاتلة.. قاتلة.. حتى كادت أن تفقد عقلها فقام المدير بتحويلها إلى ثانوية أخرى.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى