ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : اختفاء اللون .مسابقة القصة القصيرة بقلم / حسن البصام . العراق

الاسم الادبي : حسن البصام – العراق
الاسم الحقيقي: حسن عبد حمود البطحاوي
نوع المشاركة : قصة قصيرة
طريقة الاتصال : على الواتساب 07810121177 – او صفحة الفيس بك (حسن البصام)- او الاميل
[email protected]
اختفاء اللون
  منذ سنين أبحث عن السعادة؛ فلم أجدها مستقرة على حال. تتألق في الإنبهارالأَول؛ ثم تتوسد الإعتياد. ربما أراها نائمة أو تركض مسرعة باتجاه ما ،أومستلقية على ظهرها فوق قمة نائية، فتتوثب رغبتي تواقة لخطفها، وكلما كانت عصية على أصابعي؛ إزداد تعطشي لها،وإستعرت جرأتي.
  نحن نرقص على الطبل لأننا لم نخسر الحرب؛ هو تأكيداً على إستمرار حضورنا، ورقصة الزفاف طعنة في صدر العزوبية، ورقصة اليد على البطن الممتلئة موجهة ضد الجوع.. أنت تفرح جداً لأن إحساسك قادك إلى القناعة بأن المال هو السعادة، أو الأنتصار في الحرب، أو الشبع أو اللذة في الشراب أو العلاقة مع النساء.. إذن أنت الذي يلقي بنفسه في المكابدة والبحث.. أنت الذي أذلته أقدامه، ولف نفسه في الشرنقة.. أنت الذي أذل نفسه هنا، والآخر هناك، وكل منا له قيده الذي يتباهى إنه من صنع إرادته. كل منّا يلون لوحة عينيه بطيف أفقه ويحلق اليه؛ حين تستعر الارض تحت قدميه .
  في كثير من الحالات؛ تخلق لنا المصادفات سعادة؛ ولكنها هشة.. وبالفطرة أن هناك أحد ينتظرنا عند المنعطف ليقود أيدينا إلى الجنة التي نحلم بها، هكذا دون ان تربطنا به علاقة عميقة إنما أعماله مبنية على قاعدة (إعمل الخير وإرميه في البحر). ولكي لا أحرم من السعادة، أعدت رؤية الاشياء بعين شاب مرة وكهل مرة أخرى. حين أستيقظ كل يوم وأرى نفسي مازلت حياً؛ هو التجديد بعينه أن تكون على قيد الحياة، أن أستيقظ كل يوم هو ليس مضجراً بتكراره، متعة أن تستيقظ كل يوم حيا، ، وهو الدافع الذي نتوخاه جميعاً، الناس والحيوانات على حد سواء.. المقاتلون الذين يخوضون حرباً، أو العشاق الذين يتوسدون صدور الحبيبات.
  وحين أستيقظ صباحا أذهب إلى الدائرة كل يوم؛ ياللروعة !! أن أذهب كل يوم إلى الدوام الرسمي !! هذا أمر لا يتحقق لكل الناس، إنها متعة أن أرى نفسي مختلفة عن الكثير من الناس العاطلين .. وحين ينتهي الدوام أعود في كل مرة إلى البيت وهذا لا يتحقق لبعض الناس، لأن بعضهم يقتل أو يخطف أو يموت أو يعاق، أو لا أهل لهم، ينامون في الخرائب أو السيارات المتروكة أوبين طيات المزابل. أو أخرج لنزهة وإن كانت  اجبارية، أستمر بالطواف على المحلات والشوارع، ثم أرجع أتناول العشاء في الهول، إلى جانب زوجتي التي تلقي أحيانا على رأسي ظلها الثقيل، وهي تفرض معرفتها بكل شئ، حادة مثل رئيس عرفاء الوحدة، الذي أرغم نفسي للإبتسام إليه وهو يأمرني للذهاب لأنجاز الأعمال التي لايرسل معارفه إليها، من أجل أن لا يحرمني من إجازتي في موعدها المحدد.. أو أضع في حساباتي أنني أحتاج إليه مستقبلاً. اشعر بسعادة؛ على الرغم من ذلك؛ لأن الكثير من الناس، ليس لديهم زوجات، وليس لديهم أموال يتسوقون بها، بل الذي يبعث الطمانينة العميقة، أن بعض الناس ليس لديهم أرجلا يمشون عليها في الأسواق.
  قررت فجأة بعد حصولي على سلفة ؛ أن أشتري سيا رة. وانا اتجول في شوارع ماكنت اصلها بسهولة ؛ كنت أشعر ان لي اجنحة تحلق بي في فضاءات احلام لانكد فيها .
  لم أصدق ما حصل لي، أنا الخجول الذي تكاد الأرض تنهش عينيه من فرط الإطراق عليها، تبعت إمرأة كانت تسير على الرصيف، شعور غامض ونداء خفي همس لي أن ألحق بتلك المرأة، أقف بجانبها وأدعوها للصعود معي لأوصلها إلى بيتهم، بكامل الفضول والطيش. لم أعرف شيئاً عنها ، فقط رأيتها تضحك مع احد ما، وهو جالس على الرصيف يبيع السجائر. أين بيتهم.. من هي؟ لاأدري .
  إبتسمت وفتحت الباب وجلست على الكرسي الخلفي للسيارة. لم أدخل معها في أي حوار تمهيدي، أو جس نبض كما يقال، أو كلمة غزل أوفاحشة، قلت لها : هل لديك مانع بان نخرج باتجاه الشارع الذي يقودنا خارج المدينة؟ هزت رأسها مبتسمة بالنفي.
سألتها: مالمانع؟
أجابت: لا أعرفك.
– آه.. والله صحيح. لكن دعينا نبدأ من جديد ، مارأيك بوجبة غداء على النهر ؟
– ممكن يجعلني أبدأ بمعرفتك.
  وحين أسلمت أشرعتي لريح النشوة معها؛ عشت حالة الشبق المجنون الذي جعلني أنفصل عن مدارات العالم السفلي؛ حين قرصت أسنانها شفتي بدلال وشعور بالحب، والأجمل من هذا، قبلتني عند السطر الأخير من تلاصقي معها؛ على خدي، أثارت في نفسي إحساسا أعمق من القبلة على الشفاه، ومازالت لزوجتها على خدي الى الآن. وسألتني: هل إرتحت معي؟
  كان لون ثوبها خيمة فرح وطيور حب.حركت في نفسي رغبة العودة لممارسة الرسم الذي هجرته ، فقد حلق لونه في فضاءات مخيلتي والتصق بذاكرتي. رأيتها بعد عدة أيام، أنا الذي نسيت إسمي بين ذراعيها، أشحت بوجهي عنها، فقدمت نحوي، رافعة رأسها كأنها تهم بمناداتي، فلذت منسحبا في طريق مزدحم، ودخلت إلى محل ضاج بالزبائن. عرجت نحو الرف الذي يحمل لوازم ومعدات الرسم، وضعت في الكيس مجموعة من فرش الرسم وعلب أصباغ زيتية ومائية، ، فقد هجرت الرسم منذ بدأت أرغفة الخبز تهرب من أيدي الفقراء؛ ولكني مازلت أحتفظ ببعض من الورق المقوى وقطع قماش صغيرة.
عدت إلى البيت حاملاً كيس أدوات الرسم.. إستقبلتني زوجتي التي تمتص هدوئي بنبرتها الإستفزازية:
– خير إن شاء الله، جئت مبكراً ليس كعادتك، هل تعاركت مع أحد؟
  وضعت ورقة بيضاء تحت ماسكة الورق، وهيأت أصباغي وفرش الرسم والإناء الزجاجي المملؤ نصفه ماء، وحلقت ذاكرتي تبحث عن اللون الذي مازال عالقاً في ذهني ، اللون المتميز الزاهي لثوبها، الذي أغواني لونه الغرائبي. بدأت أستخدم الألوان الفردية القريبة منه وحين لم أتوصل إليه، مزجت الألوان ، كذلك لم أصل إلى ذلك اللون المطبوع في ذاكرتي، إنمحت كل الألوان إلا هو، حاولت مراراً وتكراراً، لكني تركتُ الرسمَ وعدت ثانية إليه بعد العشاء. شئ لايصدق، لقد تبخر هذا اللون من ذاكرة فرشاتي، إنتصف الليل، كانت زوجتي غارقة بين طيات الشخير، تتمايل بين أمواجه صاعدة ونازلة.. وصلت إلى طريق اليأس. وقفت ضجراً، متعباً، يائساً، متذمراً.. رميت فرشة الرسم المشبعة بالأصباغ في إناء الماء الزجاجي؛ إتكأت الفرشاة ذات العصا السميكةعلى حافته فانكفأ، وإندلق الماء على أرضية الغرفة، وظهر اللون فجأة، دونما جهد او تخطيط، هكذا هي لحظاتي السعيدة المتطايرة فرحاً، إنه اللون الذي أبحث عنه منذ ساعات طويلة متعبة.. وكأنها هي أراها ممددة بثوبها الأنيق الجذاب، هنا في بيتي، على أرضية الغرفة، التي أنام فيها مع زوجتي.. ومن فرط دهشتي رأيت اللون الذي شغلني يغطي أرضية الغرفة كلها.
صرخت دون وعي مني:
– لقد ظهر اللون.. لقد ظهر اللون !!! إستيقظت زوجتي مذعورة من صرختي المفاجأة، صائحة هي الأخرى: مابك، مابك.. هل جننت؟؟
  نظرت إلى ثوب زوجتي.. تجمدت ذُهلت: يا إلهي إنه اللون الذي أبحث عنه، هو نفس ألوان الثوب الذي أبهرني وحلق لونه في فضاء مخيلتي ولم أستطع الإمساك به !!!.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى