ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : الليلة الموعودة . مسابقة القصة القصيرة بقلم / عبد العزيز مرسي على مرسى . مصر

الاسم / عبد العزيز مرسي على مرسى

العنوان جمهورية مصر العربية

محافظة البحيرة

مركز ايتاى البارود

قرية الضهرية

رقم الموبايل 01060501540

اميل ‏‪[email protected]‬‏

قصة قصيرة وعنوانها

( الليلة الموعودة )

( الليلة الموعودة )

فى ليلةٍ قمراء من ليالي الصيف فى قريتنا العامرة , أخذنا الوقت أنا وأخي الذي يكبرني بعامين , فظللنا نعمل فى الحقل معًا إلى ساعةٍ متأخرةٍ من الليل , وكل شىءٍ حولنا يتنفس أنفاس الطبيعة الصافية , والفطرة السمحة , لا صَنعة ولا زُخرف . وبعد أن بلغ بنا التعب مبلغه , هممنا بالعودة إلى المنزل , ولكن وعلى حين غفلةٍ منا قفزت أمامنا مباشرةً قصة شجرة الجميز الملعونة التى تعترض طريقنا ولا مناص من العبور أمامها.تلكم الشجرة التى أحيطت بسياجٍ من القصص والأساطير التى ورثناها كابرًا عن كابر وتربينا عليها منذ نعومةِ أظفارنا.

وقد اتفقت فى معظمها على أنها مسكونة بالجن والعفاريت , ولكننا حاولنا عبثًا أن نتناسى أمرها. وفى عجلةٍ من أمرنا امتطينا صهوة حمارنا الذي نتوكأ عليه ولنا فيه مآرب أخرى , وأخذنا شيئًا فشيئًا نقترب من هذه الشجرة العملاقة الضخمة التى تطاول عنان السماء , كالجبال الراسيات الشُّم , وارفة الظلال لدرجة أنها حجبت ضوء القمر الذي يسطع فى الرُبا , حتى أن الإنسان إذا أخرج يده لم يَكد يراها, مما يزيدها مهابةً ورعبًا فى قلوب المارة كبيرهم وصغيرهم على حدٍ سواء . أخذ منا الرعب مأخذه , وضاقت علينا الأرض بما رحبت , وبلغت القلوب الحناجر , وأصبح الصمت الرهيب يخيم على المكان , وخشعت الأصوات فلا تسمع إلا همسًا , ومما زاد الطين بله أن الحمار توقف فجأةً – وبدون مقدمات – عن المسير , شاخص البصر جاحظ العينين , لا يحرك ساكنًا فعلمنا علم اليقين أنه رأى عفريتًا من الجن أو خُيل إليه ذلك , ونحن نعلم يقينًا أن الحيوانات ترى مالا يراه الناظرون من البشر .

تمنيت حينها لو أنى عُلمت منطق الطير أو على الأصح منطق الحيوان لأستشعر ماذا يرى حمارنا ؟! ولكن هيهات ثم هيهات ! فهذه معجزة سُليمانية لم يُؤتها أحدٌ من العاملين . سمونا بأبصارنا إلى السماء نلتمس عندها الخلاص من وعثاء الأرض , ومهابة الطريق , لا نملك عدةً غير الدعاء , ولا حيلةً إلا البكاء , ولا عصمةً غير الرجاء , فعند السماء تفريج الكرب وتسلية النفس , وأردفت الدعاء الضارع ببعض غمغمةٍ من آياتِ من الذكر الحكيم , ولكنني من فزع ليلتئذ نسيت كل ما حفظته , وإبَّان هذا الصمت الرهيب بدأت تتساقط بعض ثمار الجميز الفجة – التى نطلق عليه فى قريتنا اسم الباط – بكثرة حتى باتت قلوبنا تنخلع رعبًا , فهمست فى أذن أخى بصوت من يصارع سكرات الموت , وقلت له : اضرب الحمار بكل قوةٍ لعله يتحرك وينجو بنا من هذا الموقف الرهيب الذى يجعل الولدان شيبًا .

فاستجاب أخى على الفور فراغ عليه ضربًا باليمين بكل ما أوتى من قوة من الأمام وأنا من الخلف , فانطلق الحمار بسرعةِ البرق كأنه نشط من عقال ثم ولينا مدبرين . وأخذ الحمار يركد ويركد, ولكن من شدة الرعب الذى نكابده خُيّل إلينا أن الحمار يجرى إلى الخلف لا إلى الأمام , ويعود بنا أدراجه مرة أخرى إلى هذه الشجرة المرعبة , أو أنه ثابت فى مكانه لا يريم .

 

ونحن على هذه الحالة بين همٍ ووصب , وخوفٍ ورجاءٍ , شمخت أمام أعيننا قطعة من الأرض مغروسة بغابةٍ كثيفةٍ من أشجار الموز , باسقات طلحها نضيد تضارع أشجار النخيل طولاً وضخامةً , فلا ندرى إلا والحمار قفز بنا فى منتصف ترعة ماؤها ضَحْضَاح على يمين الطريق. ومن حُسن حظى أنى طُرحت أرضًا ولم أسقط فى المياه , وإذا بى انظر يمنة ويسره فلم أجد أخى ولم أجد الحمار.وبعد أن التقطت بعضًا من أنفاسي , وأخذت أدقق النظر ورميت ببصرى فى عرض الترعة فوجدت الحمار فى منتصفها لا يظهر منه سوى عُنقه ورأسه وأذنيه الكبيرتين , وبعد هنيهة من الوقت تراءى لى شيئًا آخر يتحرك فى الترعة فعلمت أنه أخى الذى كان مغطى تمامًا بسرابيل من الطين اللازب لم يظهر منه سوى عينيه , فمددت له يد العون مسرعًا وأخرجته مما كان فيه , ثم حاولنا بعد جهدٍ جهيد إخراج الحمار بسرعة حتى لا يتسرب الماء إلى أذنيه فيموت فى الحال , ولكن الله سلم , وأخرجناه بسلام حتى بلغ مأمنه , وأصبحنا جميعًا فى موقف لا نُحسد عليه ! …

وما كدنا نتنفس الصُعَداء حتى خرجت علينا ثُلةٌ كبيرةٌ من الكلاب ينسلون إلينا من كل حدبٍ وصوب من بين أشجار الموز , وأحاطوا بنا من كل اتجاه إحاطة السُوار بالمعصم , وعلا نباحها ليُعلموا ربائب أنعمهم أنهم نعم الحارس الأمين , كالهِر يحكى انتفاخًا صورة الأسد , وحينها قال لى أخى : ألزم الصمت ولا تسرع الخطى ؛ لأن فى ذلك هلكتنا . وظللنا نمشى الهوينى وبدأت الكلاب تبتعد عنا شيئًا فشيئًا حتى توارت بالحجاب .

وفى نهاية المطاف وبعد أن أضنانا التعب وصلنا إلى المنزل , وطرقنا الباب وفتحت لنا أُمنا على عجلةٍ من أمرها فلم تستطع أن تتفوه بكلمةٍ من هول ما رأت من حالتنا الرثة التى كنا عليها, اتجه أخى إلى البقعة التى تجلس فيها الأسرة فى الجانب الغربى من المنزل , ليلتقط أنفاسه , أما أنا فاتجهت مسرعًا إلى حجرتى ولم أستطع النوم إلا فى الهزيع الأخير من الليل , وفى صبيحة هذه الليلة الموعودة تذكرت كل ما حدث , وقلت فى نفسى : هل كل ما حدث لنا كان حقيقةً أم سرابًا ؟ أم أنها القصص والأساطير التى ربت فينا منذ الطفولة الجبن , والوهم , والخوف من كل شىء حتى الحجرة التى تضمنا بين جنباتها , بل حتى الخوف من أنفسنا

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى