اليقين
قصة ( اليقين) مسابقة القصة القصيرة .بقلم / نادية بوخلاط .الجزائر
كنت على يقين أن في تلك اللحظة التي أخرجنا فيها من بيتنا و همنا على وجوهنا بين الأزقة، تقاذفتنا الشوارع بين مخافر الشرطة بحثا عن من يستمع إلينا و يرد لنا حقا سلب منا بقوة الخداع و المكيدة بأننا لن نرجع الى ذلك البيت الذي عاشت فيه والدتي 55سنة من عمرها و هو نفسه عمر حياتها الزوجية ،وعشت فيه انا 46سنة ،طفولتي ،شبابي و مراهقتي ،بتلك الذكريات الحلوة و المرة .
فجأة تنكرت لي تلك الشوارع ،لم تعد تعرفني و صرت غريبة عن مكان درست فيه و ترعرعت فيه،كنت كالغريق يحاول ان يمسك بأي شيئ ينقذه من طوفان تلك الخيانة ،شلال من الدموع اغرق عيناي المتعبتان،كنت أشعر حينها بأنها النهاية،نهاية وجودي في مدينة عشقتها حتى النخاع،مدينة تنكرت لي هي و سكانها،و كل من اعتقدتهم اصدقاء،بل اخوات و اخوة، فجأة صرت عدوة الجميع.. ….
حين تسقط أو تغرق لن ينتشلك أحد من براثن الغرق،بل ستسقط الأقنعة حينها و ترمى بسهام الخيانة و التشفي القاتلة ، كنت اسمع ذلك المثل القائل “الدنيا مع الواقف” وكنت انا من الذين سقطوا فلا عجب أن لا أحد ينتصر لي أو يقف في صفي
اتعبتنا الشوارع و بيوت الأقارب والأصدقاء التي فتحت لنا على مصراعيها،كنت أشعر بأن المغادرة كانت تقترب و حان موعدها ،كان ذلك التمزق سهام تقتل جرعات الامل في نفسي،لكن القدر أصدر حكمه علينا بعد أن ارهقتنا أروقة المحاكم و المحامين و محاولة الحصول على حقنا الذي سلب منا غدرا و ظلما،و لأن المظلوم لا نصير له سوى الله،تعرى حيث بعض المعارف والاقارب،فغادرنا مدينة وهران مكرهات انا و والدتي التي فرق لقيط لا أصل له ولا ضمير بينها و بين زوجها عند المشيب،ضاع امل العودة و تمزقت اشرعة الامل و مجاديف النجدة و غرقنا في بحر من اليأس و الدموع،خارت قولنا و لم نعد نستطيع مقاومة التيار الذي جرفنا في منفى ما استطعنا أن نشعر فيه بوجودها.
ذلك التمزق لا تزال آلامه قائمة ،ضاع حقنا و سئمنا الجري وراء السراب و الوعود الكاذبة، كنت الوحيدة التي امتلكت يقينا بأنني لن أعود إلى بيتنا من اللحظة التي طردنا فيها منه و فعلا لم نعد ،خسرت أشياء كثيرة بسبب ذلك المنفى،عملي ،طموحي،حبي للحياة،انكسر خاطري و تشتت كقطعة من البلور و هيهات ان يصلح ما بالجور انكسر، فيا ايتها الدموع انسكبي فقد تفتقت الاوجاع ولم يعد الغد يعني الرجاء !!! .
بقلم/ بوخلاط نادية