ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : رقصة . مسابقة القصة القصيرة بقلم / عبد الله عبد الصبور محمود . مصر

قصة قصيرة خاصة بمسابقات مهرجان همسة للآداب والفنون لعام 2024.. دورة الفنان الكبير عبد الرحمن أبو زهرة.
الاسم: عبد الله عبد الصبور محمود
جمهورية مصر العربية
فون وواتس 01129599441
https://www.facebook.com/abdooo.ddd
قصة قصيرة بعنوان: رقصة

وقف أمام بندقيته التي يعلِّقها على الحائط المقابل لسريره، تحسسها بيديه، اطمأنَّ أنها بحالة جيدة، قبَّلها وخرج بها على الفور.
أحبَّ الصيد منذ أن كان صغيرًا، عوَّده أبوه أنْ يكون قاسيًا على فريسته قبل اقتناصها، وحنونًا معها بعدما يمتلكها! كان يشعر بلذَّة كبيرة عندما ينظر إلى فريستة وهي لا تقوى على الحراك، لا تقوى إلا أن تطيعَه رغمًا عنها.
عادةً يضرب فريسته في مكان لا يقتلها. يتذكَّر كلام والده: «يا ولدي تخيَّلْ أنَّ كل الفرائس نساء خائنات، لا يَستَحْقِقْنَ رفاهية الموت المريح، أصب منها ولا تقتلها وكنْ حنونًا عندما تصبح أسيرتك، ذلك يجعلها تموت مقهورة».
كرِهَ النساء لكره أبيه لهنَّ، رغم أنه لم يتعامل مع امرأةٍ من قبل، حتَّى أمه المتوفَّاة لا يتذكرها ولا يوجد لها أي أثر في البيت، بندقيته هي امرأته. أحيانًا كان يرى في أحلامه بندقيته تتحوَّل لامرأة ، وكلَّما همَّتْ بتقبيله يستيقظ مذعورًا، يستعيذ بالله ثم يستعيذ بأبيه ثم ببندقيته المعلَّقة.
اصطحب هذه المرَّة كل الذخيرة التي معه، فاليوم ذكرى ميلاد أبيه. قبل أن يخرج، نظر إلى صورته ذات الشارة السوداء المائلة أعلى يسار الصورة، انحنى أمامها وقال: «سأُهديك صيدًا ثمينًا اليوم يا أبي».
تمنَّى وهو في طريقه إلى الصحراء أن يقتل كل امرأة يشاهدها في الطريق، لكنه قرَّر أن يُكمل مهمَّته ويتخيلهنَّ في فرائسه وحسب.
استعدَّ جيدًا وتخفَّى وراء صخرة يراقب وينتظر. خرج أرنبٌ كبيرٌ وجرى أمامه لكنَّه لم يلتفت إليه، أراد صيدًا أكبر كي يقدِّمَه قربانًا لأبيه إله الصيد عنده. كان مستعدًّا أن يمكث أسبوعًا على هذه الحال كي يعود بصيده المطلوب.
مرَّت ثلاثة أيام، الشيء الوحيد الذي كان يهوِّن عليه هو المنظر الجميل الذي يراه وقت غروب الشمس على الصحراء كلَّ يوم. رفع بندقيته أمام الغروب وأخذ يُمتّعُ عينيه من هذا المشهد.
فجأةً رأى شعرًا نبتَ للبندقية، أصابه الفزع فأنزلها، ظهرت خلف البندقية غزالة تتحرك، لم يرَ مثلها من قبل، أمسك بندقيته واستعدَّ، فهذا هو أجمل صيد يمكن أن يقدمه لأبيه في ذكراه.
ما لبث أن سمع صوتَ إيقاع جميل يتسرَّب إلى أذنيه رويدًا رويدًا، نظر من منظار البندقية فرأى الغزالة تلبس خلخالًا في كل قَدَم، ارتدى نظَّارته المقرِّبة كي يرى المشهد أوضح، رأى الغزالة ترقص، تعجب وانجذب لرقصتها، قرّر بعد تفكير عميق أن يشاهد الرقصة حتى تنتهي ثم يصطاد الغزالة.
وضع البندقية جانبًا، كلَّما رفعت الغزالة قدمها وأنزلتها شعرَ أنَّ قلبه يعلو ويهبط معها، لم يكن يميِّز بين صوت ضربات قلبه وصوت رنة الخلخال، بدأ يعلو إيقاع الخلاخيل رويدًا رويدًا حتى لم يكن يسمع شيئًا سواه في أذنيه.
سقط بعض المطر الخفيف على شعر الغزالة فاستحال طويلًا وأسودَ كالليل، كلما نزل الماء على جزء من جسدها نبَتَ وترعرع وازدهر، فقد أنبتَ لها الماء ثمرتين من المانجو قبل أن يستحيل الماء عسلًا يسيل منهما، تمنَّى – رغمًا عنه – لو لحسهما كي لا يقع العسل على الأرض، رسم المطر على جسدها لوحة ضمَّت كل نساء العالم، ومائدةً تكفي لسدِّ جوعه من الثِّمار، تمنَّى لو أكلها كلها قبل أن يصيب شيئًا من جمالها، كيف يصيب هذا الجمال الخالص؟ تجلَّت أمامه بكامل أنوثتها، لم تكفَّ عن الرقص، وهو لم يملَّ من المشاهدة.
لم ينتبهْ أن الغروب انتهى فرقصتها لم تنتهِ بعد، أظلم الليل شيئًا فشيئًا، لم يُفق إلا على حرِّ الشمس على قفاه، قام مذعورًا ينظر مِنْ حوله ويسأل: «أين الغزالة؟ هل هي حُلم أم حقيقة؟».
نظر إلى المكان الذي كانت ترقص فيه، وجد به بقعةً من الماء، كاد يُجَنُّ، كيف لم يستطع أن يصطاد الغزالة؟ لا بدَّ وأنَّ أباه سوف يحزن كثيرًا في قبره.
بعد تفكير عميق ظهر أمامه تيس كبير، رفع في وجهه البندقية، لكنه تذكَّر الغزالة فشرد ذهنه حتى هرب منه التيس، شعر أن أعصابه بدأت في الانهيار، لم يغب عن باله مشهد الغزالة، اقترب من المكان، كان كلما اقترب سمع إيقاع الخلاخيل فينظر حوله، لكن لا يجد شيئًا.
استمرَّ على هذه الحال أيامًا كثيرة، يذهبُ كل يوم إلى مكانها وينتظر لكنّها لا تأتي، وبقعة الماء لا تجِفُّ، سألَ عنها كل من في قريته، لم يفرِّق هذه المرَّة بين أن يسأل الرجال أو النساء، كان بودِّه لو يستطيع أن يكلِّم الحيوانات ويسألها.
قالوا عنه في القرية إنه جُذِبَ من كثرة ذهابه إلى الصحراء، وقال آخرون إنه جُنَّ لأنه يعيش وحيدًا ولم يتزوج، سمعوه يصيح بأعلى صوته في الحيوانات المحبوسة تارة، وتارة يتوسل، حتى فتح الباب فجأة وتركها تذهب إلى حال سبيلها، ربما تكون إحداها صديقة للغزالة فتخبرها بحاله.
بعد مدة عشَّشَ العنكبوتُ فيها على بندقيته، رأى نورًا آتيًا من ناحية الشُّباك، فتح الباب وخرج، رأى النور يبعد، أغلق الباب بقوَّة فسقطت صورة أبيه على الأرض، لم ينتبه وتتبع الضوء إلى أنْ وصل إلى الصحراء، إلى مكان الرقصة، لم يشاهد الغزالة وإنما سمع صوت الخلاخيل، وضع كفَّه على الرَّمل وجده ما زال رطبًا، جرَّب أن يشمَّه لأول مرة، شعر كأنه في أحلى مروج العالم، زادَ إيقاع الخلاخيل، أكثر فأكثر، أعلى فأعلى، لم يتمالك نفسه وظل يرقص على إيقاعها رقصة الغزالة نفسها.

عبد الله عبد الصبور

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى