ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : سياج وفأس .. مسابقة القصة القصيرة بقلم / الحسن محمد عبد الهادي عبد الحافظ ..مصر

الاسم:الحسن محـمد عبدالهادي عبدالحافظ

الدولة:جمــهورية مصـر العربية

اسم الشهرة:حسن عبدالهادي

رقم الهاتف و الواتس:01023774605

صفحة الفيس بوك

https://www.facebook.com/hassan.abdelhady.10

01023774605رقم الموبايل:

      مسابقة القصة القصيرة

·       حسن عبدالهادي

سـياج و فأس..

تأمل الرُقعة الزراعية من حـوله شاعرًا بالرضا على ما تحقق،قبل أشهـر كان يقف أمام أرض خـاوية على عـروشها،ذابلة أزهارها بعد أن ترك مـنزله لسنواتٍ طوال هربًا من قريته،مقبلًا على مدينته..

نشأ في قرية تتبع إحدى المـدن الشمـالية للبلاد،قص له أبوه كيف تحولت تلك الناحية من القـرية من واحة خضـراء إلى مـجموعة من المباني السكنية،و قد رأى أهل تلك الناحية جيرانهم يستثمرون في البناء على الأراضي فحذوا حذوهم،فالمكسب السريع في البناء لا الزراعة..

صـارت البيوت القديمة مساكن من الطوب الأحـمر،و حلت الرمال و الأتربة محل التربة الزراعية،و ابتنى كل صاحب بيت سورًا حوله واضعًا لافتة تثبت مـلكية الأرض..

“الأرض تحتاج إلى إعادة إحياء يا عـامـر”

نطقها أبوه الذي رسم قطار العـمر خـطوط سبعينية على وجهه،تذكر الرجل كيف استلبه سحـر المدينة فجعله كثير المكوث بها،قليل السفر إلى القـرية التي رأى أن عاداتها و تقاليدها صـارت شيئًا عفا عليه الزمن..

رأى أن ما يميز المـدينة الحـُرية،لا يوجد من يتابع تفاصيلك،يسأل عنك،يزورك باستمـرار،العـُزلة أيضًا كانت شيئًا إضافيًا يميزها..

لم يعد إلى القـرية إلا عندما تلقى خبرًا مباغتًا بوفاة أمه،حـزن عليها حزنًا بالغًا،كانت ترى أنه يجب أن يعـود إلى أرضه..

“هُنا الأصل يا بُني،لا تنخدع بالصـورة”

انتبه إلى عبارة أبيه الذي تبسم متذكرًا كيف كانت زوجته تعتني بالأرض كل صباح،تحضر لها مـُزارع لزراعتها،تطلب منه زراعة أشجـار بعينها..

تأمـل شجـرة  كائنة بجـوار المـنزل و قد مـالت للأمام و كأنها تعلن حزنها على فقيد رحل و تركها قبل أن يتساءل

-ما هذه الشجـرة يا أبي؟

أطرق الأب برأسه و أجاب

-شجـرة التين يا بُني.

ثم تبسم متذكرًا كيف طلبت زوجته ذات يوم من المـُزارع زراعة شجـرة تين و عندما سألها

-و لِم التين يا ست مـحـروسة؟

أجابته أنها تحب مذاقه و أنه مـُريح للقلب ويشفي من الأمـراض!

عاد عـامـر بذاكرته للوراء،تذكر طفولته،كيف كانت أمه تأخذه من يده و هي تعاون أبيه في فلاحة الأرض و قد أعطته ذات مـرة مجمـوعة من نواة الزيتون و راقبته و هـو يدفنها في التُربة ثم يسكب المـاء عليها..

“سنزرع أجـمل شجـرة زيتون في القرية”

نطقتها أمـه مـُشجّعة،كان يراقب نمـو الشجـرة بفضول،أبوه-و كان تاجرًا في سوق القـرية-ينتظر نضج المحصول،يأخذه برفقة ابنه كل جـمعة لبيعه،كان يشعر بالضيق و هو يستيقظ مبكرًا في يوم عطلته للذهاب لمعاونة الأب في تجارته..

و في أحد أيام نهاية الأسبوع،كانت المـُعلمة بالمدرسة تسأل الطلاب عن أنشطتهم في يومي العطلة الأسبوعية و كانت إجابات الكثيرين منهم مختلفة،و عندما أجابها عـامر

-أذهب مع أبي لبيع المـحصول في السوق.

سألته

-ماذا يعمل أبوك؟

-تاجر زيتون.

ضحك زملاؤه فاحمـرّ وجهه خجلًا من سخرياتهم التي لم تتوقف لتهتف المـُعلمة

-صمتًا رجاءً.

أنبهته أن أبيه بالتأكيد يتاجر في أكثر من محصول،و لا يوجد محـصول واحد فقط هـو ما يباع في العـام..فكل محصول له خصائصه المميزة لموسم زراعته،فلا فائدة من زراعة البرتقال في الصيف و البطيخ في الشتاء،و إنما تُزرع المحاصيل الزراعية وفقًا لمواسمها و لخصائصها التي تتناسب مع احتياجات الإنسان..

في هذا اليوم عـاد لمنزله،انتظر حتى الليل،تأكد من خـلود والديه للنوم،خرج و قد عـزم في نفسه أمـرًا..

تطلع إلى الشجـرة التي طرحت عشرات من ثمـار الزيتون بغضب”أنتِ من جعلتِ زملائي يسخرون مني،أنتِ سبب شقائي كل جـمعة،سأنتقم منكِ”

بسذاجة طفل  صغير-كَبُرَ مُبكرًا-أمسك بفأسه و هـوى بكل قوة على جذعها،استغرق منه جزها الليل بأكمله و قد نظر بسعـادة إليها و هي ساقطة أرضًا و مسح عرقه من على جبهته قائلًا

-أخيرًا سأشعر بالارتياح.

دفن الفأس في بُقعة بعينها ليخفي آثار جريمته قبل الصباح،ثم هـرع إلى فراشه و تصنع النوم..

عندما استيقظت أمه بكت،حزنت حزنًا شديدة على شجرتها،لم تعلم بم حدث،بينما ظن الأب أن أحد المزارعين المنافسين له هـو من فعل فعلته و أخفى الفأس..

قرر الأب بناء سياج حديدي حـول أرضه لحمايتها من أي معتدٍ،و قد كان عـامـر يخرج من الباب في الصباح و يعود عقب انتهاء مواعيد المدرسة الرسمية..

إلا أنه و في اليوم السابق للعطلة،دعاه أصدقاؤه إلى الخروج معهم و مص محصول القصب أمام الترعة..

كان هذا منذ ثلاثين عامًا مضت،يتذكر ذلك اليوم الذي عاد فيه قبل آذان المغرب بدقائق، شعر بالخجل،تساءل كيف سيتعامل معه أبواه،أخذ يطرق الباب بيده عدة مـرات دون جـدوى..

تطلع إلى السياج،راودته الفكرة فكرر تنفيذها،قفز لأعلى يتسلق السياج،و عندما أراد الهبوط سقط أرضًا و كُسرت ساقه،و جاء الطبيب إلى المنزل و وضعها في جبيرة..

“أرأيت،لأنك عصيت والدك،و أصررت على الخروج مع أصدقائك بعد المدرسة كانت هذه النتيجة”

سألها متطلعًا إلى قدمه المـُعلّقة لأعلى بجبيرته

-أأبي من أمـرك بعدم الاستجابة لنداءاتي و أنا أهتف لفتح الباب؟

أومـأت برأسها إيجابًا و قالت

-أتمنى أن تكون وعيت الدرس.

“عــامر،أأنت بخير يا بُني؟”

انتبه في هذه اللحظة إلى نداء أبيه قبل أن يتبسم و يجيب

-نعم يا أبي،عدت بذاكرتي للوراء قليلًا.

ثم استطرد

-ستعود الأرض إلى رونقها كما تمنت أمـي دائمًا.

-لقد أوصتني عند عودتك بزارعة شجـرة تين و لقد أتيت إليك ببذورها

تطلع إلى أبيه الذي انحنى ممسكًا بطبق بداخله البذور فأخذه عـامـر و ذهب إلى الشجـرة التي مالت للأمـام قبل أن يقول لأبيه

-سنحيي تلك الشجـرة من جديد يا أبي.

ثم تذكر أن البقعة التي أخفى فيها فأسه القديم،أسفل تلك الشجـرة،كيف لم تنتبه أمه و هي تلقي بالبذور لوجوده..

أخذ يضرب بفأس جديدة الأرض و لكنه عبثًا لم يجده،ألقى بالبذور أسفل شجـرته ثم قام برويها بالماء،لم يكن خبيرًا بزراعة الأرض،دخل على أحد المواقع الإلكترونية المخصصة في الزراعة،لزراعة شجـرة تين قصـة طويلة،تحتاج لموسم بعينه،يقع بين فصلي الصيف و الخريف،أخذ يقرأ كثير من الخطوات التي يجب اتباعها لزراعة المحصول و تساءل كيف استطاعت أمها بفطرتها زراعة شجـرة و جني ثمار المحصول..

صباح اليوم التالي نزل ليجد أبيه يحرث الأرض و قد أمسك فأسًا فذهب إليه في سـرعة و تبين أنه فأسه القديم،سأل أبيه

-من أين لك به يا أبي؟

-وجدته أمك ذات يوم و هي تنوي زراعة شجرتها في نفس المكان فأخذته،جاءت لي مشرقة الوجه و هتفت”عـمـران،لسنا بحاجة إلى شراء فأس جديدة”

شعـر ابنه بمشاعر شتى تجتاحه قبل أن يقول

-أعطني الفأس يا أبي..

ثم تطلع إلى الشجـرة و أردف

-لنبدأ بزراعة شجـرة تين جديدة.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى