ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : عزاء تَنْفَا” ..مسابقة القصة القصيرة بقلم / محمد خيري . مالي

لاسم: محمد خيري
الدولة: مالي
العمل: طالب جامعي
الرقم: +223,71570039
نوع المشاركة: قصة قصيرة بعنوان:
“عزاء تَنْفَا”
بينما كان يهش الأغنام من الحظيرة رددت نسائم الصباح الباكر في أذنيه أنينا متقاطعا بحشرجات متألمة ونواحا أنثويا خجولا وبشكل تلقائي أفلت عصا قصيرة كانت في يده ثم تولى جاريا باتجاه الخيمة الجلدية التي تقاوم تنفا أمامها هاجس الموت بالعويل محتضنة بين زراعيها أباها الذي يغرق ويفيق في سكرات الموت وتهزج باسمه بإلحاح، ومن هول التوتر والفزع لم يتذكر أن هناك مربطا للخراف أمام البيت الا في اللحظة التي وقع فيها على بطنه ليتلطخ وجهه ببعر معزاة مريضة على بعد عدة أمتار من تنفا، أحس بألم بارد في أسنانه، وبصق سائلا فظيعا من الدم والروث ، لكن آهات تنفا لم تمهله طويلا فتابع مسيره حبوا، ليقفز بجانبها تلقائيا بعد أن لمح كتلة من الظلام المنبطحة على ركبتيها، اقترب منها مستطلعا ليقع نظرته الأولى-رغم غبش الفجر- على وجه مألوف شاحب وعينين ذابلتين تدوران في زحمة الملائكة المشيعين ملك الموت الى السماء، بدأ يتفحصه بيد مرتعشة عمياء بينما انسلت اليد الاخرى في فتحة ضيقة حتى على الهواء بين رأسه ونهدي تنفا الناضجين الى أن وقف على نتوء قاتم السواد بين الكتفين، نتوء يشي ملمسه بالدم لكن متانته توحي بمقبض خنجر مغروس بعمق، وعندها أحس (إيغْلَلْ) بالخطيئة الأولى وزلزلت الارض في قلبه زلزالا ماطرا بدموع تنفا فأراد أن يفض بكارة الوجع بالصراخ: عميي، لقد قتلوه!
صرخت خلفه تنفا: أبييي! وبعد دقائق قليلة لاحقة استفاق الحي ليبدأ في نعي العم حَسْبون وتشهد ساحة منزله اجتماعا طارئا في صبيحة مأساوية معبقة برائحة الموت، وموشحة بدبيب الفقد المنسوج بوولولة النساء حول الميت في الداخل، أما في الخارج فقد عقد الرجال جلسة خاصة بمباحثة ملابسات الحادثة بعد سماع حكاية تنفا التي حكت باقتضاب: “تزامن استيقاظي على الجريمة مغادرة كائن غريب لجانب المنزل تابعته بنظري حتى ذاب في الظلام الدامس خلف الحظيرة باتجاه الواحة الغربية” فخنقها الدمع ودارته باستقبال التعازي. خضعت الحكاية لمختلف التأويلات التي خلصت الى صب اللعنات على الأشباح والشياطين مع نفي تام للتهمة على أي كائن بشري بحجة الانعزال في الصحراء وانعدام أي مشتبه به في الحي، لكن بحة تنفا ما تزال تصدح باليتم وتغرد بالويل وكلما تمايل دمعها في نشوة الرقص كلما قتلوه بلعنة شبح أو شيطان كتعويذة عزاء.
وهكذا إذ بفتى يقال أنه مختل عقليا يصفق: برافو عليكم التفنن في اختلاق تماثيل من قبيل: أشباح، أقدار، شياطين، تلعنونهم على ما تقترفه أيديكم بدلا منكم يا أحفاد قابيل، برافو!
ولأنه في نظرهم فتى مجنون لم يأبه له أحد!
في حين أحكم كهل خمسيني لثامه متجاهلا : الحقيقة أننا تعبنا من هذه الاغتيالات المبهمة ها هو زعيمنا المرحوم وقبله آخرون كثر رحلوا تاركين أسئلة وألغازا محيرة كهذه، ألا يجب أن نقدم قربانا؟
وكما لو أنهم ينتظرون هذا الطرح قبلوه بلهفة وخاصة الفقيه أحمد الذي شدد على أهمية القرابين في العقيدة المحلية بعد خطبة طويلة خُتمت بصمت لا يشق جلالته سوى وطأة النحيب وآهات تنفا، كانت تنفا شمعة أضاءت الصحراء يوما، بغنائها الجذاب وجمالها الفاتن وهي تغني على قلوب العشاق وترقص في أحلامهم تحت أنوار القمر فوق الرمال الصحراوية الناعمة وها هي اليوم طبول اليتم تزفها نحو مصيرها المجهول. وكان إيغلل ينقر الأرض بسبَّابته شاردا طوال الصمت، أما الفتى المجنون فقد قال في خيبة: “الويل لمن سبق عقله زمانه” واختفى، فيما تنحنح الفقيه قائلا: لله ما أخذ وما أعطى وبعد: ما يمليه الكتاب المقدس في هذا الموضوع معروف-وأعلن- يؤخذ أحد أبناء الزعيم ويقدم قربانا ولأن الزعيم لم يترك سوى بنت فليس لدينا حل آخر، كان الحكم واضحا كالشمس مما لا يترك فرصة للنقاش ولذلك تلقى الموافقة الفورية من الجميع باستثناء إيغلل الذي حاول الاعتراض فأسكته الفقيه بآية مباشرة فتابع صمته في انهيار راكمه عليه ارتفاع البكاء في الحي بعد إعلان الحكم مباشرة بينما خيم الوجوم على تنفا ذاعنة للحكم، ليس بدافع الايمان ولكن بدافع اليأس الذي يخلفه الفقد، وربما بدافع حب الخير ودرء الشر،”حتى وإن لم أقدم روحي اليوم قربانا فلن يختلف مصيري عن مصير آبائي وإخوتي فما الفرق بين الموتين؟” هكذا فكرت تنفا وهي معلقة على ذيل أسرع جواد في المنطقة كما تفتضيه مراسم القربان، مجرورة في أرض وعرة محفوفة بالشوك والحصى وينبعث من كافة أطرافها نزيف دموي مصاحب بألم صارخ بينما تتوارى خلفية الأهل وهم يشاهدون باحتفاء تخلصهم من أشباح الموت خلف خفوت الوعي وانعكاسات أشعة الشمس الذهبية، مما فيهم إيغلل الذي أحبها كثيرا ولم يخطر على باله أنه سيكون السبب في موتها، كما لم يخطر على بال أحد حتى الشياطين أن القاتل في الداخل وهو إيغلل الذي سحق حشرة عائقة له عن الزعامة منذ زمن بعيد، لم يفكر أحد بذلك أبدا إلا حَبْدال ولسوء الحظ أنه فتى مجنون.!

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى