ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : قَلْبٌ لعِينٌ . مسابقة القصة القصيرة بقلم / إيمان خلاف . الجزائر

الإسم : إيمان
اللقب : خلاف
إسم الشهرة : صمت
الدولة : الجزائر
رقم الهاتف وواتس : 0655791150 / 0696295490
الفئة الأدبية : قصة قصيرة
…………………..

العنوان : قَلْبٌ لعِينٌ

هذا أَنَا ، بٍوجهِيَ الملِيِء بالتَّجاعيدِ وأنفيَ الكبيرُ وشعريَ الأبيضُ ، لا تسألونِي عن اسمِي فلمْ أعدْ أذكرهُ ، ولا عنْ عمرِي فلا مِيلادَ لَدَي كلُّ مَا أَعْلمُهُ أَنَّنِي ومُنْذُ وفَاةِ زَوجَتِي تَائِهٌ فِي وحْدَتِي حَدَّ الجُنُونِ ، غَارِقٌ فِي الأَزمَاتِ لأخْمصِ القَدَمَينِ .
اليَومُ كَكُلِّ الأَيَّامِ ، أَسْتَيْقَظْتُ بَاكِرًا ، لمْلمْتُ شَتَاتَ نَفْسِي وَمَسَحْتُ القَذارَةَ عَنْ وَجْهِي بيَدِي ثْمَّ اتَّجَهْتُ إلى المَطْبخِ لأحضِّرَ القَهْوةَ لنفْسِي ، فالقَهوةُ بالنِّسْبةِ لِي شَيْءٌ أَكْبَرُ من فنْجانٍ يُوضعُ أمامكَ لتحتَسيهِ ، أعشق رائحتهَا وهي على الموقدِ ، لكنَّ عمَّتِي اللئيمَةُ أوقفتنِي وأعادتنِي للغُرفةِ بالقوَّةِ ، إنَّها قويةٌ للحدِّ الذِي يرْعبُنٍي وإنْ وبدَا على وجهِي غيْرُ ذَلِكَ ، هيَ مصِرَّةٌ أنَّهَا هِيَ منْ تحضِّرُ ليَ القَهْوَةَ .
أحضرتْ لي فنجانَ القهوةِ مع الفطائرِ ، يااااااه كمْ أحبُّ الفطائِرَ مِنْ يدِ زَوجِتِي ، لقدْ كانتْ كالمَلاكِ تمامًا جميلةٌ مشرقةٌ حنونةٌ دافئةٌ ، لَطَالمَا أحْببتْ حديثهَا على طاولَةِ الفَطورِ ، حديثُهَا مشوِّقٌ رُغْمَ أَنَّهَا قَدْ تروِي لَكَ قصَّةً ربما تسمعهَا منْها للمرةِ الرَّابعةِ أو الخامسةِ ، لكنَّ تعابيرَ وجهِهَا وهِيَ تحكيهَا وارتفاعُ ضِحكاتِهَا وحركاتِهَا المضحكةِ وهي تمثِّلُ الموقفَ تجعلكَ تسمعُهَا بنفْسِ الشَّغفِ في كلِّ مرَّةٍ وبنفسِ المتعةِ .
عمتِي وأبناؤُهَا احتلوا منزلِي بحجةِ أنهم يحاولونَ مساعدتِي بعد وفاةِ زوجتِي ، لكنَّهم أشرارٌ ،
أنا أعلمُ جيِّدًا أنَّهم يظنُّونَ بذلكَ أنَّهم سيرثوننِي بعدَ موتِي ، لكن لا طاقةَ لي بمواجهتهِمْ .
بعدَ وفاةِ زوجتِي أصبَحتُ جبانًا حدَّ القرفِ ، كنْتُ قويَّا بوجودهَا ولا شيءَ يقفُ بوجهِي أبدًا ، أو ربَّما هذا ما كنت أظنُّهُ وتلك كانت صورتِي بعينيهَا ، ولم أكتشفْ أنَّني جبانٌ وساذجٌ وقذرٌ وقبيحُ الملامحِ إلى أن تركتنِي في هذا العالمِ الموحشِ بمفردِي ، انظُروا لحالِي اليَومَ ، أصبحتُ ذلكَ الضعيفَ المكتَئِبَ الذي لا يقوى على المواجهةِ ، دعهمْ يكيدونَ ، فأسوءُ ما يمكنهم فعلهُ هو قتلِي ، وما أرحمَ الموتَ بعد زوجتِي .
هاهيَ تأتي مجدَّدا ، اووف يالِلبؤس
_ كيف حالكَ يا إبراهيمُ ؟ تريدُ أي خدمةٍ ؟
_ لاشكرا ، ماذا عساي أريدُ ؟ وأنا محتجزٌ على يدِ عزرائيلَ في هذا العالمِ القذرِ ، وعلى يدكِ في هذا المنزلِ اللعينِ وهذه الغرفةِ الفارغةِ بالذاتِ وعلى يَدِ هذا الرأسِ البليدِ الخرفِ الذي لا يتوقفُ عن الثرثرةِ
_ رفقًا بحالكَ يا إبراهيمُ ، أمَّا عزرائيلُ فمأمورٌ ، وأمَّا عنَّي فوربِّ عزرائيلَ لَمجْبرةٌ ، وأما عن رأسكَ فلكلٍّ منا واحدٌ .
أتعلَمْ ! كلنا سجناءُ هنا وحسب ، مجبرونَ على الموتِ في هذه الحياةِ دونما توقفٍ ، نسيرُ فيها محاولينَ مواراتَ سوءاتِ قلوبِنَا عنِ العالَمِ لكننا عرايَا أمامَ أنفسنَا تمامًا ، بعيوبنَا وجروحِنَا وآلامنَا التي يوقظُهَا الليلُ ويهدهدُهَا ضوءُ الشمسِ حتَّى تنَامَ .
_ أتعلمينَ يا عمتِي ! إن لي قلبًا يرتاحُ بالحديثِ معكِ كثيرًا ، وقلبًا آخرَ يكرهُكِ لأبعدِ الحدودِ ، لا أدرٍي لمَا تفعلينَ معي ما تفعلينَهُ رغمَ ما امتلكتِ من الحكمةِ ، أهو الطمعُ يعمِي صاحبهُ ؟ ( قلْتُ ذلكَ في داخلِي ثم نطقتُ بصوتٍ عالٍ ) كم أنتِ حكيمةٌ يا عمتِي .
_ أهوَ استهزاءٌ ؟
_ لا والله لا أقصدُ
_ أتَكْرَهنِي يا إبرَاهيمُ ؟
_ لا
_تُحِبُّنِي إذَن ؟
_ لا
حبستْ عمتِي دمعَةً بجفنِهَا وأَمسكَتْ يَدِي بقوةٍ وقالتْ
_ أنا أُحِبُّكَ يا ابراهيمُ ولآخرِ نفسٍ سأُحبُّكَ .
خرجتْ عمتِي من الغرفةِ بعد أن رتَّبتْهَا وبعثرتْ أفكارِي ، عمتِي ليستْ سيِّئةً ، وأبناؤها ليسُوا أشرارًا لا تصدِّقُوا ما أخبرتكُمْ بِهِ ، فأنا العجوزُ السَّيءُ الطِّباعِ .
لطالمَا أخبرتنِي زوجتِي أنني أنانِيٌّ ولا أفكرُ إلا في نفسي ، لطالما جرحتهَا بعَصبِيَّتِي وتَذَمُّري ، كنت متطلبًا رُغم إجتهادهَا ، وهي كانت مكتفيةً رغم تقصيري ، أرجوكِ يا حبيبتي فلتغفرْ روحكِ الطاهرةُ النقيَّةُ لروحِيَ البائسةِ الجاحدةِ .
Azza
Azza Essa
مرتْ ساعاتٌ وساعاتٌ وأنا أثرثرُ معِي مستلقيًا علَى السريرِ وأنظُرُ إلى النَّافذةِ ، غرفتي هي تجسيدٌ حقيقيٌّ للاَّشيء ، أربعةُ جدرانٍ مدهونةٍ بالأبيضِ ونافذةٌ بيضاءُ تطِلُّ على المالانهايةِ ، أرضٌ ممتدَّةٌ في الأسفلِ وسماءٌ ممتدَّةٌ في الأعلى وفقط .
لقد عادَ إبن عمتي للتَّوِ إلى المنزلِ ، عادَةً ما يأتِي لرؤيتِي
_ السلامُ عليكمْ
_ وعليكَ السلامُ يا بنَيَّ ( وعلى الدنْيَا السلامُ أيضًا حينَ أصبحَ صبِيٌّ مثلكَ يمنعنِي من الخروجِ ويقيدنِي بذراعيهِ ، يالِسخريةِ القدرِ )
_ كيْفَ حالكَ اليومَ ؟
_ الحمْدُ لله ، ذكرنِي باسمكَ يا ولدْ ( ما يدرينِي ماسمهُ شابٌّ طائشٌ ، لكن ليسَ ذنبهُ فلا أبَ لديهِ ليعلمهُ الأدبَ معَ الكبارِ ، إبنُ اللَّعينَةِ )
_ أكرمْ ، أكرمْ ، أكرمْ ، يالله كمْ مَلِلْتُ وأنا أكرِّر إسمي
( رأيتمْ ؟ قوْمٌ أنذالْ ، لعنَةُ اللهِ عليكمْ )
جاءَتِ العجوزُ
_ ما هذا ما الذي يحدثُ الآنَ ؟ لما صوتُكَ مرتفعٌ يا أكرمْ ؟
_ كالعادةِ أكرِّرُ إسمِي ولا فائدَةَ
_ إياكَ يا أكرم مالذي تتفوهُ بهِ الآنَ ، فلتذهبْ من هنا ، إذهَبْ وأحضِرْ أختَكَ أحلامَ منَ الجامعةِ ، تحركْ
_ أحلام ؟ ألم تعد إلى الآن ؟ سيؤذنُ المغربُ ، لن أرحمَهَا .
خَرجَ مهرولاً يستشيطُ غضبًا بينما تركضُ أمُّهُ خلفَهُ تهدِّئُهُ وتأمرُهُ بالتريثِ .
هذا حالُ منزلِي يوميًّا ، أسرةٌ متشتِّتةٌ كأنَّ لعنةً ما أصابتهُم ، رحمَ الله زوجتِي حواءَ ، ااااهٍ يا حواءُ كم اشتقتُكِ ، لطالما كنت تحلمين بأسرةٍ مترابطةٍ وبيت هادئٍ ، لطالَمَا رغِبتِ أن تنجبي ولدين طبيبٌ ومعلمةٌ ، كنا نتجادلُ كثيرًا في الأمرِ وأصرُّ أنِّي أريدها بيتوتيةً مثلكِ فأنا رجلٌ شرقيٌّ ولا أحبُّ عملَ المرأةِ ، بينمَا تقنعيننِي أن التعليمَ مهنةُ المرأةِ ، أتذكَّرُ كم أحببتِ الطبخَ ، لطالما أخبرتِنِي أنَّ الأكلَ الذي تطبخُهُ الأمُّ لا مثيلَ لهُ ، وأنَّهُ السِّحْرُ الذي يجمعُ كُلَّ العائلةِ ويربطُها ، ليتني معكِ أينما كنتِ الآن .
_ إبراهيم ، أعتذرُ عمَّا صدرَ من أكرمْ ، لسْتُ أبرِّرُ تصَرفهُ ولكنَّه قلقٌ عليكَ جدًّا ، هو طبيبٌ ويصعبُ عليه ألا يستطيعَ معالجتكَ .
_ ليسَ ذنْبَهُ الذَّنبُ ذنبِي ، لكنْ ما العملُ ، هذا الجسدُ هرمَ وهذا العقلُ لم يعدْ يستطِيعُ التَّخزِينَ ولا يُريدُ ذلِكَ ، تَخَيَّلي يا عمتي كمْ حفظْتُ من أسماءٍ خلالَ رحلةِ حياتِي الطويلةِ ، بعدَدِ شعرِ رأسيَ الأبيضُ ، بما قد تفيدنِي أسماؤهُمْ اليومَ وأنا أتحَدَّثُ لسَاعاتٍ مع نَفْسِي ومع النَّافِذَةِ والجدارِ الأصَمِّ ؟
_ ولا ذنبك ، الذَّنب كلُّ الذَّنبِ لهذهِ الآلةِ الحمقاءِ التِي لا تتوقَّفُ دفعةً واحدةً ، فقدْ تتوقَّفُ الكِلَى ، أو قد تتوقَّفُ الأعضاءُ عنِ العَمَلِ ، أو يتوقفُ العقلُ وتموتُ الذَّاكرةُ ويظل ذاكَ القلبُ اللَّعينُ يضخُّ الدَّمَ فِي العرُوقِ بِلا رحْمةٍ .
أتَعلمُ يَا إبْراهيمُ عليك أَنْ تتَذكَّرَ فقطْ ثلاثَةَ أسْماءٍ لا غَيْر
_ أذكُرُ زَوجَتِي رَحِمَهَا اللهُ “حَبيبَتِي حَوَّاءْ ”
_ نَعَمْ ، زَوجَتُكَ حَوَّاءْ وَوَلَدَيكَ أَكْرَمْ وأَحْلام
_ وَأَنْتِ مَاسْمُكِ ؟
_ حَوَّاءْ .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى