ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : معترك الحياة . مسابقة القصة القصيرة بقلم / آلاء رأفت محمد حسن ..مصر

الاسم: آلاء رأفت محمد حسن
جمهورية مصر العربية

رابط الصفحة
https://www.facebook.com/profile.php?id=100079589163840&mibextid=ZbWKwL
قصة قصيرة
“معترك الحياة”
ماذا لو قلتُ لك أن دقائق معدودة فقط تكشف عن ثنايا من الحياة، هذه الثنايا حركتها أسرع من تلك الدقائق والثواني بل ومن تلك السيارة التي هي عبارة عن سيارة ربع نقل لها كبينة من الأمام وصندوق بالخلف وكما تسمى في صعيد مصر “العربية التيوتا” حيث تنتشر هناك بالأخص في قرى المراكز والمدن، يقولون أنها وسيلة نقل غير آدمية لكن بالأخص في ذلك اليوم كانت تلك السيارة تحمل من هم أكثر آدمية في هذه الحياة، هؤلاء الرُّكاب هم ثنايا الحياة، جلست على مقعدٍ من المقعدين المتقابلين، حيث تفصل بينهما مسافة، كان عدد من فيها ثلاثة أنا الذي خرجت صباحا؛ لقضاء بعض الأمور الضرورية والروتينية في الوقت ذاته، وأثناء العودة وضعتني الحياة في معتركها بداخل تلك السيارة، يجلس بجانبي رجل مثلي يبدو أنه ميسور الحال، ولكن على الناحية الأخرى يجلس يافعٌ كان قد بدأ مرحلة شبابه لكنه يجلس على الأرض بدلا من المقعد، ساقاه ملتصقتان ببعضهما، هزيلتان، ضعيفتان، لا تقويان على أدنى حركة، أمّا اليدان حتى أعلى الذراعان فهي كذلك، عيناه وسط رأسه فقط هي التي تتحرك؛ تنظر تارة للأرض و تارة تلتفت يمينا أو يسارا، ولأني قرأت عن تلك الحالة وتسمى بضمور العضلات لم أرد أن أطيل النظر كثيرا؛ منعا للإحراج لي وله، مع أنّي إن سرقت بعض النظرات له فذلك لأني؛ أدقق النظر بمعترك الحياة عنده وليس له.
مرت عدة دقائق أخرى، وعند أول مطب قابلنا بعد مجاوزته بقليل
يقف يافعٌ آخر يلوِّح بيده للسائق حتى يتوقف تماما، ويبدو أنه فشل في ذلك لولا أن الرجل بجانبي أخذ ينادي السائق بأعلى صوته بينما هناك يسارع ذاك اليافع الزمن حتى اقترب وراح يتسلّق بيدٍ أعلى الصندوق ويرفع بالأخرى دراجته ببطء التي يضع عليها قفصًا به صيصانٌ صغيرة صوتها لولا أنه ضعيف يكاد أن يغلب صوت الريح بينما صاحبها قبع هناك بجانبها..
يقول له الرجل الذي ساعده في وضع حمله: هل ستجلس عندك؟ اسأل الله أن يبارك لك في رزقك.. فيجيبه الآخر: ونعم بالله!
تحركت السيارة مرة أخرى وفي تلك الدقائق التي تمر، تمر معها أفكاري يال العجب مَن يستقلُّ سيارته الخاصة محرومٌ محروم، يعيش مع أفكاره وحده في عالمٍ آخر، فمن يدري أنّ سيارة كهذه إلى جانب أنها وسيلة نقل هي أيضا وسيلة لتطلع على كيف تبدو حياة الآخرين، وأفكارهم البسيطة، المتوكلة، كبساطة هذه السيارة، وفجأة يتوقف تيار أفكاري مع توقف السيارة للمرة الثانية إذ يغادرنا الرجل الذي بجانبي ويصعد رجلٌ ليحل مكانه، تليه امرأة تحمل صغيرها، ولولا أن المقعد بجانب السائق لم يكن شاغرا، لكان أفضل لها أن تجلس فيه لحين الوصول، غفا الصغير بين أحضان والدته بسرعة عجيبة فأنّى للأطفال أن يعرفوا معترك الحياة إلا إذا خرجوا من ثوب طفولتهم مرتدين ثوب الشباب! وهكذا على طول الطريق أراقب بصمت مدقع مَن يصعد ومَن ينزل، وتدور الأحاديث بين الرُّكاب لكن على غير عادتي لم أتحدث! فقد أخذني ذاك المنظر من الحديث مع الآخرين إلى حديث مع ذاتي، امرأة ترتدي عباءةً سوداء، ونقاب أسود، ملثمةً بالسواد كاملا، الشيء الأبيض الوحيد هو عُلَب المناديل التي تحملها بيدها تمدُّها للسائقين؛ لتبيعها لهم ، تجلس مستندة إلى عمودٍ صغير منصوب عند أحد المطبّات التي مررنا بها حيث تتحرك السيارات والشاحنات بين الذاهبة والعائدة، سمعت الركاب يأكدون أن تلك المرأة تجلس طوال اليوم هكذا! طرقت مسمعيَّ لفظة ” إعلام ” دولة”.. عدة مصطلحات، مهلا! أيُّ إعلامٍ هذا الذي أنتم تتحدثون عنه؟! الإعلام لا يتذكّر أمثال هؤلاء إلا إذا ملُّوا من تسليط الضوء على الحفلات الراقية التي لا تعرض إلا تفاهات وتُرَّهات، ولو التفتوا إليهم فلن تكون سوى رؤيا العين؛ ليعرضوا إنسانيتهم المزيفة فأين هي من رؤيا القلب؟!
كم الساعة في يدكَ يا أخي؟ فطرقتُ ببصري عقارب الساعة التي تلتف حول معصمي مجيبًا: الساعة قاربت الثانية عشرة والنصف..
لم يمرَّ سوى سبع عشرة دقيقة منذ صعودي السيارة، كلُّ هذه المشاهد في سبع عشرة دقيقة فقط! انتهت الكلمات من محاورة الأفكار، انتهت الطريق مع نزول هؤلاء الناس كلٌّ ذاهبٌ ليكمل معتركه في مكانٍ آخر، يظلُّ ينتقل به من بيته للسيارة، للطرقات، فالأسواق حتى أثناء النوم يطارده مرتديا زيَّ الأحلام.
كان آخر مشهدٍ يملأُ خانات الذاكرة؛ هو ذلك اليافع مرتخي العضلات الذي طلب من أحدهم أن يحمله ويساعده في النزول ثم ينهي الرجل مهمته التي بدأها بأن يفتح يد هذا اليافع؛ ليضع فيها شيئا ويغلقها تاركا إيّاه في معتركه يجلس على الأرض نفس الجلسة وكأن الأرض اعتادت عليه وتلقّته بحنانٍ ككل مرة يجلس فيها؛ ليتسوّل عطف الناس إلى جانب بعض العملات النقدية.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى