ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة (نحن لسنا لك ولا لصاحبك بل نحن لأنفسنا ) مسابقة القصة القصيرة بقلم / عبد القادر مسكى .الجزائر

نصي بعنوان(نحن لسنا لك ولا لصاحبك بل نحن لأنفسنا )

الكاتب عبد القادر مسكي

أنهيت تعليمي في الجامعة،وكنت أبحث لي عن عمل محترم وأشارك في مسابقات التوظيف؛ وبينما أنا على ذلك نجحت في مسابقة التعليم الثانوي مادة اللغة العربية،لكنني أُقصيتُ بعدها بسبب استكمال ملفي الذي نقصه بطاقة الخدمة العسكرية.

وضاع مني المنصب الذي لم يشأْهُ الله لي وقد اتخذت فيه مجامع الأسباب،لأقرر اجتياز الخدمة الوطنية، وكنت منظما مع سلكها حيث تابعت التأجيل كل سنة وأستمر في التحصيل حتى انتهيت منه وأبلغتهم بذلك، ليصلني الإستدعاء ووجدتني سأجتازها بمدرسة مدفعية الميدان ببوسعادة ولاية المسيلة.

أقلعْتُ من وهران مساء إلى المسيلة في رحلة ليلية عبر طريق تيارت، ولم أك زرت المسيلة من قبل، ولا عرفت بوسعادة إلا من خلال فيلمين حولها أحدهما فيلم الطاكسي المخفي، وآخر وثائقي حول سيرة الرسام العالمي ألفونس إيتيان ناصر الدين دينيه، ذلك الرسام الشهير الذي أرسلته فرنسا مستشرقا فاعتنق الإسلام ورسم الجزائر في أروع لوحاته الفنية؛ وبلغت المسيلة على الساعة الثانية صباحا كنت على إثرها وحيدا لا أعرف أحدا، وفجأة ظهر لي شاب لا أعرفه ولكن تبدو عليه ملامح الطيبة،وجلس بجانبي وأنا في المحطة وأخذ معي في الحديث.

الشاب:من أين مقدمك؟ تبدو تائها..

نعم،أنا من وهران وأنت؟

الشاب:أنا من مستغانم وذاهب إلى مدينة بريكة.

وما عملك فيها؟؟؟؟

الشاب:وهل في بريكة غير الثكنات!!!

وأنا أيضا وجهتي إلى الثكنة العسكرية ببوسعادة، ولكنني لا أعرف الطريق والبرد شديد،وعلي بلوغها قبل الثامنة صباحا.

الشاب:لا عليك،فأنا سأدلك ولكن علينا أولا أن نجد مقهى نرتاح فيها حتى الساعة الخامسة صباحا،إذ تتوفر الحافلات حينها.

شكرته وسرنا في الطرقات المظلمة نبحث لنا عن مقهى؛لقد كان البرد ينخر عظامنا رغم أننا كنت في منتصف شهر مارس من سنة ألفين وتسعة….وبينما نحن نتمشى حتى وجدنا مقهى مفتوحة استقبلنا صاحبها بحفاوة،وعرض علينا أن ننام قليلا حتى الصباح لكننا شكرنا له كرمه طالبين منه الجلوس في المقهى مع فناجين القهوة المتتالية.

وبلغت الساعة مقدارها لنتوجه حينها إلى المحطة،وأخذ كل منا سبيله. ركبت الحافلة وتوجهت إلى بوسعادة فغفوت خلال الطريق حتى بلغتها،وقد وطأتها قدماي لأول مرة،فسحرتني ببهائها،ومررت على فندقها الشهير كردادة ومتحفها العريق العقيدين،ولمحت حسانها البيض،وجمالهن الوميض،فأخذت نفسي،واهتز لها أنسي،ولست لذاك أمسي،لولا أنني كنت أسأل عن موقع الثكنة التي يتحدد بها سعدي أو تعسي. فأُخبرْتُ أنها تقع في منطقة تسمى بالرمانة،ذات الوجهة الرنانة،بشروق شمسها الفتانة،وتوجهت إليها بعد مشقة ماتعة.

وهناك تعرفت على الأحبة،من كل صوب وحدبة،جمعتني بهم محطة واحدة،وراية ماجدة،وأوقات واجدة؛وبعد الفحص الطبي الأولي طُلِبَ منا أن نتوجه إلى البليدة لإجراء الفحص الطبي الثاني،والذي تتحدد فيه مصائرنا إما بالتجنيد أو التغريد.

كنا ستة أفراد ولم تكن هناك المواصلات إلى البليدة مباشرة،بل كان علينا التوجه إلى العاصمة ومنها إلى البليدة،ولم يكن الوقت في صالحنا، فاتفقنا أن نستأجر سيارة تنقلنا مباشرة إليها؛فذهبنا إلى المحطة واخترنا سيارة تكفي عددنا وتحقق غايتنا،وهممنا بصاحبها نتفق معه حول تكلفة نقل الفرد منا….حتى أتى إليه الذي كان قبله مشاجرا:

إن هؤلاء الزبائن لي.

فرد الذي اتفقنا معه:بل هم لي ولقد اتفقت معهم في نقلهم إلى البليدة مباشرة.

فقال المشاجر: أنا لا يهمني ….سأنقلهم أنا وهم لي.

فقال ناقلنا: بل لقد اتفقوا معي،وأنت لديك أربع أماكن للعاصمة أكملها واقلع.

المشاجر في غضبه: خذ الأربعة وأنا آخذهم فهم لي.

واشتد الشجار بينهما حولنا فاضطررت للتدخل قائلا:

(نحن لسنا لك ولا لصاحبك بل نحن لأنفسنا)؛وكان أصحابي قد قودوني عليهم،فطلبت من السائق الذي اتفقنا معه أن يقلع كوننا كنا في عجلة من أمرنا.

أقلعت السيارة بنا عبر طريق سيدي عيسى إلى صور الغزلان التي ازينت قممها بحلل بيضاء ناصعة،ثم طريق تابلاط المخيف،فعين الأربعاء إلى البليدة ،وكانت وجهتنا مدينة العفرون وفيها افترقنا.

….ومررت على مصالح الطب العسكري مساء لأجدني أتجول بعدها في مدينة الورود،وساحتها العمومية الشهيرة،أتأمل حسانها التي كانت ورودا متناثرة تناثر الدراهم على العروس؛ولكنني كنت في عجلة من أمري أفكر فقط في مكان أقضي فيه ليلتي،وفجأة تذكرت صديقا من العاصمة كنت أعرفه اسمه عبد الحق،فكلمته ليجد لي فندقا بسيطا أبيت فيه ليلتي وفي الصباح أعود إلى بوسعادة؛فطلب مني القدوم إليه بالعاصمة وفعلت،وكان الوقت قد أوشك على الغروب فهاتفته فطلب مني أن أعاود الإتصال به بعد المغرب؛ وبعد المغرب اتصلت به مرارا وتكرارا لكن هاتفه كان مغلقا؛أظلم الليل ومر العشاء وانقطعت بيَ السبل،وتوقف النقل الحضري،فقررت أن أحاول إيجاد مخرج مما أنا فيه،ومشيت من محطة خروبة إلى ساحة الشهداء عبر حي حسين داي وشارع حسيبة بن بوعلي وبلوزداد حتى بلغتها،وقد كنت خلال ذلك الطريق الشاق أبحث عن مبيت أو مرقد أو فندق بسيط ولكن هيهات إنها العاصمة.

لقد أخذ التعب كلي وأصبت بالإحباط،وكان علي أن أستعيد أن أستعيد أنفاسي، فأنا في موقف لا مجال للإستسلام فيه،وبالقرب من جامع كتشاوة العريق وجدت مطعما أخذت فيه بعض الراحة لأعود إلى محطة خروبة مشيا فوجدتها قد أُغلقتْ،ولقيت على أبوابها شبانا يفترشون الكرتون ليستريحوا عليه،سلمت عليهم فردوا التحية بأحسن منها كأنهم كانوا في حاجة لمن يجالسهم؛ وجعلوا لي مكانا بينهم،ورحنا نحتسي الشاي المشحر ونتناول بعض الحلويات في سمر جميل ينسينا مذلة النوم في الشارع العليل، وبرودته في وقت كان الليل قد عسعس فيه بحلكته رغم إنارة الطرقات.

وعلى الساعة الثالثة صباحا فتحت المحطة أبوابها فأقبلنا عليها إقبال الفارين من الموت مذعورين،وبقيت في داخلها أحتسي أكواب القهوة الساخنة حتى الساعة الخامسة،لأتوجه إلى محطة سيارات الأجرة الخاصة ببوسعادة،وركبت فإذا هو السائق الذي حاول أخذنا من صاحبه الذي اتفقنا معه،

ووجدته غير مقتنع بما فعله معنا ومع صاحبه، فرددت عليه قولي:(نحن لسنا لك ولا لصاحبك بل نحن لأنفسنا )

للكاتب عبد القادر مسكي

ولاية وهران

الجزائر

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى