ط
مسابقة القصة القصيرة

قطة وعَالِم..مسابقة القصة القصيرة بقلم / محمد نجيب مطر من مصر

محمد نجيب مطر
القاهرة – شارع فيصل – محطة المساحة
قصة قصيرة
=======
قطة وعَالِم

وصل الباحث إلى معمله يحمل صندوقاً بين يديه، فتح الباب، ثم ركله خلفه ليغلقه، وضع الصندوق على المنضدة، فظهرت القطة الصغيرة تلاعبه في براءة، ربت على ظهرها، وبدأ في مداعبتها تحت رقبتها فاستكانت.
نظر إلى السبورة الممتلأة بالمعادلات الرياضية وبدأ في تنفيذ التجربة التي جاء من أجلها، أحضر المادة المشعة التي تبلغ فترة نصف العمر لها ساعة واحدة، تلك الفترة التي فيها تتحول نصف كمية المادة المشعة إلى مادة أخرى، ويظل النصف الباقي.
فإذا وضعنا في الصندوق جراماً واحداً من العنصر المشع, سنكون على بينة من أننا لو أخرجناه بعد ساعة, سنراه قد تحول إلى نصف جرام فقط، ولكننا لا نستطيع معرفة الذرات التي ستتحلل والتي ستبقى سليمة
أحضر العالم عداد جيجر الذي يقيس الاشعاع، ثم أحضر مطرقة وثبتها على العداد، وجعل رأس المطرقة على زجاجة السيانيد السام.
لو انطلقت الأشعة من ذرة المادة المشعة تسحب يد المطرقة لتهوي على زجاجة السيانيد ليخرج الغاز السام ويقتل القطة، أما لو لم تكن هذه الذرة من الذرات المتحولة فلن تتحرك المطرقة وبالتالي سوف تعيش القطة.
نظرت القطة إلى السبورة وكأنها قرأت خطواتها وعرفت أنها ستموت، فاستماتت في الهروب والدفاع عن نفسها، أمسك العالم بها بشدة بعد أن قاومته وأحدثت جرحاً بسيطاً بيده، ثم وضعها في الصندوق.
كتب العالم في دفتره :
يا إلهي .. نظرية عجيبة جديرة بأن تحكى في كتب الأساطير .. تقول أنه بعد مرور الساعة توجد القطة في حالة مركبة من الحياة والموت ، لأن الذرة المشعة في حال تراكب بين التحلل وعدم التحلل، لكن المشاهد عندما يفتح الصندوق سيري القطة إما ميتة أو حية وهذا ما نتوقعه في حياتنا اليومية، حيث لا يوجد تراكب بين الحياة والموت.
هل يصدق عاقل أن القطة كانت موجودة وكانت ستظل موجودة حية ميتة في كل الأماكن، ولكننا قتلناها حين حاولنا التلصص عليها ورصدها، كانت هنا وهناك وفي كل الأماكن، ولكن رصدنا لها هو الذي جسدها في حالة واحدة محددة، وهي الحياة أو الموت، ولو كنا تركناها لكانت ما زالت حية وميتة.
الغريب في الأمر أن المعادلة تبدو صحيحة رياضياً و لكنها مستحيلة في الواقع فكيف يحصل هذا التناقض المحير؟
تحس وكأننا نحكي عن عالم الأرواح أو الجن، فربما هي الآن حية في كون موازي يتطلب منا تطوير عملية الرصد لكي نراها هناك في نهاية كوننا الحالي في كون موازي لكوننا.
يا إلهي!! جسيمات الالكترون تتصرف كجسيمات فقط عند رؤيتها أما غير ذلك فهي تتصرف كموجـات، وهذا ربما يفوق كل السحر الذي ينتجه البشر.
تخيل انك تلعب كرة تنس الطاولة وفي اللحظة التي تلعب فيها الكرة وأنت تراها تتصرف ككرة مادية تسير في خط مستقيم، وبمجرد ان ترمش بعينك في تلك اللحظة تتحول إلى موجة، وما أن تعيد النظر بعينك إلا وتتجمد وتعود كرة من جديد، هذا لو اعتبرنا طبعا أن الكرة جسيم.
هذا الأمر يجعل الإنسان بعض الأحيان يتخيل أن خلفه وهو يسير يتحول العالم إلى موجه من الذوبان الكلي ويتحول العالم من خلفه إلى فراغ، لكن وما أن يلتفت خلفه ليرى الفضاء إذا بالأشياء تتجمد والاشجار والاحجار وتعود لطبيعتها العادية والمألوفة .
المضحك في الأمر أننا ربما نكون مُجبرين على معاملة الإلكترون كجسيم أيام الإثنين والأربعاء والجمعة وكموجة في الأيام الأخرى للأسبوع.
ما أعجب الكلام عن الجسم الحقيقي الذب يجب أن يتمتع بسرعة معينة, ويجب في الوقت نفسه ان يتواجد في مكان معين.
لكن العلم يخيرنا بين معرفة واحد فقط من الاحتمالين, على حساب فقدان الاحتمال الاخر، فإما أن نعرف موقعه وإما أن نعرف سرعته، وهذا يعني اننا لا نؤثر فقط في عالم الواقع, بل اننا نعمل بشكل ما على خلقه .
وليس معنى رصد جسم في مكان واحد فقط، أنه اختفى في الأماكن الأخرى، لو أمكننا تطوير عملية الرصد، لأمكننا رصد الجسم في المكان الذي نود.
إنها نظرية غريبة تتحدث عن شخصين بينهما رابط، أحدهما في أمريكا والآخر في اليابان، بحيث لو كسرت ساق أحدهما لكسرت ساق الآخر.
استأنف العالم أعماله ريثما يتم الكشف على القطة بعد ساعة، بعد مرور ساعة كاملة فتح العالم الصندوق ليجد القطة ميتة.
سمع العالم صوت مواء القطة فالتفت وجدها جالسة على مؤخرتها في نهاية المعمل تنظر إليه، ففتح الصندوق فوجدها ميتة، فنظر إليها مرة أخرى، فقفزت في وجهه وأصابته بجراح شديدة من مخالبها.
أمسك بالبلطة وتوجه إليها فضربها بكل شدة أفلتت منه في سرعة فصار يضربها يميناً ويساراً وهي تتهرب منه حتى أصاب نفسه.
أخذت القطة تقفز من مكان إلى آخر وتكسر الأدوات بما فيها من محاليل كيميائية، فاشتعلت النار الشديدة في المعمل التي التهمت كل شئ بما فيها العالم نفسه.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى