ط
مسابقة القصة القصيرة

كرسى السعف . مسابقة القصة القصيرة بقلم / شفيقة لوصيف . الجزائر

 

مسابقة / مهرجان همسة للفنون و الأداب دورة :  2018

المشاركة/ قصة قصيرة . بعنوان : ” كرسيّ السعف”

صاحبة النص / شفيقة لوصيف

البلد / الجزائر

رقم الهاتف / 0561865759

lyc.mostkateb [email protected]  ايميل/

 

” كرسيُّ السَّعفِ”

 

جلستْ إلى نورِ الشمسٍ تحيكُ . فالحياكةُ هوايتُها المفضلة منذ أن كانتْ صبيةً.السماءُ صافيةٌ كأجواء الانسياب . ترددُ صدى التملصٍ والانعتاق . ظلالُ الأوراقِ عطشى على ِجدران . ترتفعُ وتنزلُ على إيقاع نسائمِ الصباحِ . و الأرضُ مستسلمةُ لأحضانِ الشمسِ .ما أعذبَ الركونَ بين طرفين.  يولدُ الجمالُ فقط حين تنعطفُ الأنا في مراراتِ الآخر .

تتأملُ بطنَها المنتفخةُ بانبجاسٍ .تمررُ أناملَها بلطف عليْها . و كأنَّها تخشى أن توقظ َصغيرَها .يشعرُ الجنينُ بأناملِها . يضربُ برجليْه – كعادته – ليعلمَها باستيقاظِه .تصبِّحُ عليه قائلة : صباح النور حبيبي كيفَ أصبحتَ ؟ أرجو أن تكونَ قد ازددتَ نمُوا . أنا مشتاقةُ لرؤيتِك كثيرا . و كرسيُّ السَّعف أيضا  .بانتظارك . أنظرْ إلى فراغه إنَّه يناديكَ. تعالَ لتأخذَ مكانَك عليه . تعالَ حبيبي لألقنَك الدَّرس . فالدَّرسُ قد استوى ونضُجَ .

على كرسيِّ السَّعفِ المقابلِ كان يجلسُ زوجُها يوم سألتْه : ما هو الكونُ في نظرِكَ ؟. ردّ هامسا : الكونُ ُأن نكونَ معا .حنتْ بطرفِها إلى موطنِ الأحشاءِ !. فهمَ السؤالَ العالقَ بنظرتِها . انحنَى عليها . وضعَ شفتيْه على بطنها التِّي لم تكنْ بعد قد أظهرتْ الحملَ . قبَّلها في سكينةِ الصفاءِ وهو يردُّ: طبعا حبيبتي ..فأنا و أنت مثلُ الأرضِ والسماء . و أمَّا صغيرُنا فهو الشَّمسُ التِّي تَهبنا الحياةَ . فهلْ رأيتِ وجودا دون شمسٍ ؟!.

 

انحنتْ عليه تداعبُ شعيراتِ رأسِه كمَنْ يمرُّ على روضِ فاتحٍ . يلثمُ الوردَ مرة ويستنشقُ عطرَالفل أخرى ويداعبُ ملمسَ الياسمينَ مرة ثالثةً .مرتْ بكلِ شعرةٍ حتى يخيلُ إليك أنَّ لها مع كلِ واحدة ذكرى . تناجيها فتردُّ عليها . بينما استسلمتْ أنفاسُه في حجرِها إلى أنفاسِ الربيعِ المعبقةِ برائحةِ الحقولِ الخضراء . هاهي السهولُ تعرجُ عاليا . لا تستحي أن تُظهرَ لهفتَها إلى  مواسمِ الحصادِ . وقد تعرتْ أمامَ كنانةِ الشَّمسِ . أمَّا السنابلُ الشامخةُ فقد ارتختْ أمامَ أوتارِ الريَّاح موقعةً سمفونيةً ملساءَ . لا تقلُّ روعةً عن منظرِ اللُّجج وهي تعتلي مواكبَ اليمّ .

كانت أناملُها ما تزالُ  تداعبُ شعيراتِ رأسِه حين سألتْه : حبيبي إنِّي أتساءلُ : تُرى ما لونُ غَدنا ؟ وماذا في إمكاننا أن نعدَّ فيه لصغيرِنا ؟ شقّ البرقُ فجأةً جيوبَ السَّماءِ . فمالَ بطرفِ عيْنه صوبَ عينيْها . ثمّ رفع رأسَه عن حجرِها. استوى على كرسِّي السَّعف . تناولَ فنجانَ القهوةِ . ارتشفَ منه رشفةً . بعدها ضمَّ الفنجان بين يديْه و كأنَّه يودُّ أن يحتفظَ من خلال حرارةِ الفنجانِ بدفءِ السؤالِ . و قد عاد بصرُهُ يتحرشُ بالحقولِ المتراميةِ . مُستلهما منها ابتسامةً عذبةً طافتْ في حياء على شفتيْه الرقيقتيْنِ .يبدو أنَّ الحقولَ قد فرَّختْ في نفسه مواسمَ الحصادِ . حيثُ ينحني المزارعُون على أراضيهم . يحصدُون عرقَ الفصولِ وهم ْْمبتهجون من عطاءِ الأرضِ و ممتنون لرحمةِ السماءِ . فيطلقون العنانَ لحناجرِهمْ  ترتفعُ مع الفراشاتِ

 و تنخفضُ مع لحنِ الوداعِ الذي تتراقصُ على وقعِه الحقولُ .

يُؤذيها أنْ يركُنَ زوجُها وجودُها . أنْ يرحلَ لوحدِه حيثُ المزارعينَ . لذلك همَّتْ باسترجاعِه حين أخذتْ تُمررُ أصابعَها على ظهرِ يدِه . انتبهَ لما تشعرُ به فابتسمَ . قالتْ ابتسامتُه الليِّنةُ : أنتِ الروحُ والفؤادُ . فإذا غبتِ فحتْما أنا هناك معك .

أعاد  فنجانَ القهوة بيد إلى طاولةِ السَّعفِ وضمَّ كفَّها بيدٍ . فهمتْ رغبتَهُ . تنحَّتْ عن كرسيِّ السَّعف . اقتربتْ منه . جلستْ على حجرِه . تضمُّ  رأسَهُ إلى صدرِها . فيغرقُ كلٌ منهما في الآخر . حتىَّ يجزمَ كل منْ يراهما عن قربٍ أنَّ سرّ الحياة قد ْاجتمع فيهما . كما يُخيَّل إلى كلِ من يبصرهما عن بعد أنَّهما فرع أخضر من الفروعِ المستيقظةِ في هذا الحقلِ.

و قد ردَّ على سؤالها وهي بين أحضانِه بقوله : لتثقْ حبيبتي أنِّي أراقبُ كلَّ يوم طولَ السنابلِ و أحنُّ مثلما تحنين إلى اصفرارِها . لأنَّ موسمَ حصادِها هو موسمُ جديدُ لحبِنا .أما ماذا أعددْتُ لصغيرنا ؟!  فما عسَى لفلاحٍ أن يعِدّ لابنه سوى كرسيٍّ من السَّعف يجلسُ عليه ليتلقنَ درسَ الحياةِ .

تسألُه وقد اعتلى الاستغرابُ نبراتِ صوتِها المتكئَةِ على خصوبةِ الأرضِ : هل سيتلقى صغيرُنا درسًا واحدًَا ؟

– نعم هو درسٌ واحدٌ!. يردُّ الزوجُ .

تعود لتسألَه : هل يمكنْ لحبيبي الأستاذ أنْ يطلعني على فحْوى الدَّرس ؟ و أعدُّك بأنَّني لن أكشفَه لابْنك .بل ستظلُّ أستاذه الوحيدَ .

– لا يا حبيبتي ..سنلقنُهُ الدَّرسَ معا . حتى إذا حدثَ وغبتُ عنكما ..!!!.

تقْطعُ كلامَهُ .تُكمِمُ شفتيْه بيديْها الناعمتيْن . وقد سرتْ في جسدِها قُشعريرةٌ باردةٌ.  هزَّتْ سكينةَ نفسِها وهي ترددُ : – أش …لا تقلْ هذا من فضلك . أنت ترعبُني !؟.

– لكنْ حبيبتي ..

 تقاطعُه :- عدْني حبيبي أنَّك لن تفتحَ هذا الموضوعَ مرةً أخرى . عدْني و إلاّ لنْ أفتحَ معك موضوعا بعدها .

ما كان منْه إلا أنْ هدَّأ من روْعها بين أحضانِه ثمّ أسرّ لها : أيْ حبيبتي ..إنَّ لونَ الغدّ  لن يخرجَ عن لون الأرضِ. بتبايُنِ ألوانِها.لأنَّ الأرضَ هي الغدُّ . علينا فقط أن نمكِّنَ درسَ الأرضِ في نفس صغيرِنا . وبعدها نتركُه لخوضِ الحياة التِّي حتما ستمنحُه كلَّ أقفالِها .

تُباغتُ زوبعةٌ رمليةُ الحقولَ . تفطنُ الزوجةُ ..تلتفتُ حولَها ..تلسعُها سياطُ الوحدةِ …تتأملُ بطنَها المنتفخةَ ..تعودُ إلى تمرير يدِها عليها . وهي تسحبُ نفسًا عميقًا . يبسطُ عرشُ الصمتِ سلطانَه .صمتُ لا يخلو من لغةِ الأسف وصخبِ الحسرة .و رغم  ذلك تبسطُ ما كانت تحيكُ بين يديْها . إنَّه برنوسٌ يناسبُ حديثي الولادة . تعقدُ طرفيْ الصوفِ . صار البرنوسُ جاهزا تزيده القبعةُ جمالا . و قد تماهى لونُه مع لون السَّماء الأزرقِ.

غشتْ مسحةُ الحزنِ وجهها  وهي تتأملُه . لكن سرعان ما تبددتْ تحت وقع ابتسامةٍ عريضةٍ ملأت محياها وهي تُمرر يدها على بطنها و تقولُ : هذا برنوسُك  يا أحمد . حِكتُه لك بيديَّ . كما حكتُ لك غيره  ولن أتوقفَ عن الحياكةِ. حتى تشرفَني بحضورُك . تعالَ يا حبيبي ..فقد حلّ موسمُ الحصادِ . وها هُم ْالفلاحون قد طوُوا أراضيهم و طحنُوا السنابل و ألقمُوها للأفران . كما أنَّ الدَّرسَ قد استوى ونضُجَ على قِدْرِ الأيام .تعالَ لتأخذَ مكانك على كرسيِّ السَّعف . الكرسيُّ بانتظارك ..تعالَ يا حبيبي هذا موعدُك .

كان ظلُ الأشجارِ من حولها قد تقلصَ .  ما جعلَها تجمعُ أشياءَها في سلَّة من السَّعف . صُنعتْ خصيصا لأدوات الخياطةِ والحياكةِ . استعانتْ بحافة الطاولةِ وهي تتنحَى عن كرسيِّ السَّعف . سارتْ بخطى متثاقلةً مسندةً ظهرها بيدها اليمنى .و قد حملتْ سلةَ السَّعفِ بيدِها اليُسرى. وصلتْ إلى الكوخِ استدارتْ إلى حيثُ كانتْ تجلسُ . تأملتْ الطاولةَ.  فوجدتْها وحيدةً . تحتمي بظلالِ شجرةِ التفاحِ .و كرسيُّ السَّعف المقابلِ يصرخُ في وجهها . أعرضتْ عنه . ربَّتتْ على بطنِها المنتفخةِ . واستدارتْ إلى الحقولِ التي تعلُو الكوخَ . مخلفةً شُغور المكانِ خلفَها .

 

                                                                                              قصة قصيرة :

بقلم /شفيقة لوصيف              

 

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى