ط
مقالات بقلم القراء

من حياة أسير حرب. قصة حقيقية.بقلم ابتهال الخياط

ابتهال الخياط
كتبت / إبتهال الخياط

استنساخ غريب للايام اعيشه هنا في هذه الغرفة المكتظة بالانفاس كما هي كل الغرف في معسكر الاسر الذي أقبع فيه منذ سنين , ومازالت حقيبة الطبابة على كتفي اتنقل معها بين الخنادق لاسعاف مايمكن اسعافه من جروح الجنود , حين التف علينا الاعداء ليأمر القائد برمي السلاح والتسليم .
مازالت اصوات جنود العدو تتعالى في رأسي وهم يقودوننا الى حافلات لنُحشر فيها الى حيث معسكرات الاعتقال، لقد سلبونا مانحمل واعتقد انها تسمى غنائم حرب هههههه ..ويالها من حرب !.
كنت قد فرحت بالأسر لانني قاسيت على يد النظام في بلدي أبشع انواع الظلم لمجرد اني كنت “أنطق” وتكلفت بمهمة الجندية الالزامية وحمدت الله اني في الطبابة حيث اختصاص دراستي ,فصرت مع الجنود وجروحهم والخنادق المتغيرة باستمرار .
شعرت عند الأسر بالهدوء والاطمئنان لانهم مسلمين كما نحن فماذنب الشعوب في قتال بائس بين اشخاص قد يتآلفون يوما ما وتتحد اهدافهم ,
حينها ستُطمس الآثار ولا آثام ولا دماء أريقت من خيرة الرجال ستبقى للعيان! ولن يسميهم احد بالشهداء..فالاحوال في تغير مستمر والايام دول تتداول فقط على الشعوب بالدمار وعلى الحكام بالنصر .
تسع سنين أصبحتُ فيها كهلا , يالهول الايام المستنسخة قوانين وقوانين ,كل شيء بالاكراه عكس مايدعو اليه الله , لقد حفظت القرآن لكنني لن أقرأه ,وأحب الصلاة لكنني لا اريد ان اصلي ! فقط لانني أحب أن ” أنطق” احب التمرد لان فيه انسانيتي ضد قبحكم ووحشيتكم, هاا ……؟
لمن هذه المشنقة المنصوبة هنا في بيت الراحة ؟ لابد انها لي لأني مزعج جدا وقد أعلنوا عدم احتمالهم لوجودي , أقولها لكم : سأبقى ناطقا بما لاتحبون سماعه.
لقد اعلنوا الحصار عليّ , و لايحق لي ان أتحرك الا في زاوية ضيقة ولن يُسمح لاحد بالتقرب مني ! فليكن لكم ماتحبون ،وحتى القذارة التي ترمون بها في صحن طعامي تعلمتُ ان أُخرجها بطيب خاطر وأتجرع المتبقي , لن تتمكنوا مني ابدا , فذاك المجرم الذي تحاربوه قد فعل اكثر ممافعلتم ومازلت ناطقاً.
أحد الأسرى وهو صديق لي كان يعطي من راتبه وسكائره للحارس كي يتقرب مني ويكلمني ,وصرت مجنونا وأتكلم بصوت عال وتنهال عليّ السياط من كل مكان حتى أفقد رشدي ولكنني كنت أستيقظ وأعود للنطق , ربما نسوا انهم من الممكن ان يقطعوا لي لساني ! في بلدي يقطعون اي شيء ليُخرسوا صاحبه ,نحن متمدنون اكثر , ربما , وربما انهم هنا في الاسر أرحم من اهل بلدي في ممارسة التعذيب..هههههههههههههه.
المهم انني الان مجنون حر وان كنت سأبقى في الأسر لبقية عمري وما أطوله !!!
لا رسائل ولا اخبار عن الاهل , هل نُسيت ؟ وتلك الحبيبة هل تزوجت؟لايهم فما أنا الا رجل فقد حياته وصار ميتا وهو حي.
هزة ارضية قد حلت بالمكان تراكمت اجسادنا في الاقفاص , وحين انتهت تراكض الجميع لينظروا ماحدث فكان زلزالا قد ضرب المنطقة كلها فجعلها ركاما , بيوت منهارة على اهلها في القرى التي حول معسكرنا لكننا بخير , لقد أصاب الله القوم في اهلهم ,فهمها بعضهم انها انتقام الله من الظلم الذي ينزل على الاسرى .ولا فائدة ,ليس هناك مرادفات انه العمل والحرب والحقد ولا وجود للالهيات فيها لا من بعيد ولا من قريب, فدعوى الحروب هي من قاموس الشيطان وقد تمت لعنته واوليائه منذ الخليقة الى يوم الدين ولن تزيد عليها بشيء تلك الهزات والابتلاءات.
تسع سنين انقضت، وجاء البوق ينهق كصوت الحمار ان الحرب توقفت .
ومرت الايام لأكون في أول وجبة لتبادل الاسرى, اذن سأعود الى وطني الاليم ..كيف هم اهلي بعد كل هذه السنين ؟
كانت الحافلة تسير عبر الوديان والجبال لساعات طويلة ولا نهاية وكأنهم يتعمدون أن يقتلوا فينا الامل بالوصول , كما تحبون فالمهم أن الحرب قد انتهت, حتى وان لم نعد الى الاهل, لقد توقفت عجلة القتل والاسر.
وبانت لنا الحدود و اخوة الوطن ،تلك الوجوه الجميلة والكلمات المرحبة بعودتنا لالتفت الى مودعينا من الاعداء ونظرة الغل تعلو ..ولن أُخفي شعوري بالخوف من تلك النظرة ,فدخل عدوي متلبسا عقلي لابقى في سجني وأنا وسط اهلي وعلى ارض وطني..يقيدني باستمرار كي لاأكون , فلم أعد كائنا مستقلا ,انه يأمرني فألتزم لانني أخاف ان يقتل اهلي ..اخترت العيش مع اوامره التي لم التزم بها هناك وسط قومه ,وها أنا الان كما يحبون مجنونا قذرا تتمزق اقدامي من حذائي ولا اخلعه. أنطق فقط بعبارات الغباء والرذيلة ولا اعلم كيف أردعها , أرى في عيون أهلي أحبتي دعواتهم اليّ للموت ففيه الخلاص , ولكنني أظن انني عالق بين الموت والحياة, يقولونها لي واقولها لنفسي “ليتني بقيت هناك في الاسر” .اجل لو بقبيت هناك ماكنت فقدت النطق ..هناك فقط ساحة حربي.
……………………………………………..
قصة شقيقي هلال خلف الخياط في الأسر.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى