ط
الشعر والأدب

(وتبقى قطام ).قصة قصيرة بقلم الأديب/ على السباعى . العراق

قصة قصيرة:

 

وتبقى قطام…!!!

 

علي السباعي

 

 

1419 هـ.

الجمعة:  السابع والعشرون من شهر رمضان.

الساعة:  الثانية عشرة وخمس دقائق رُفع آذان الظهر احتياطاً قبل خمس دقائق.

قطام هي التي سمعتْ:

  • لا…

رافضة، مستقرة، تردد صداها طويلاً ناهياً خشناً:

  • لا… لا…

كانت قاسية، حادة، عريضة النهاية اخترقتْ مسامع النسوة، ثـقيلة كالحجر الذي وُضِعَ فوق صدر بلال:

– لا…لا…لا…

أقعتْ أمام باب المسجد، بلا ظل، قبضتاها تعتصران تراب الكراهية تحت شجرة اللبلاب، عباءتها طافية خلفها تدثر خطواتها، عيناها حادتان تحاولان إمساك كلمات المصلين، زجرتْ خطيب الجمعة:

  • أتظن بأني لا أسمع لآتك؟

ردد المصلون:

  • /000 وَلاَ الضَّالَّين /.
  • انفعلتْ:
  • أني … اسمع…!

انفلشتْ ذرات الرمل هاربةً من اعتصارِ قبضتها، أعلنتْ:

  • سأحظى بمهرٍ غالٍ.

جاءها صوت المصلين قاطعاً كالرمح الذي خبأته هند فأصاب أسد الله:

  • لا000لا000لا للفسفور .

لون وجهها بقعتهُ زرقةٌ نيليةٌ ، أغمضتْ عينيها تحتبس الألم ، تحسرتْ متسائلة :-

-مَنْ يرفع عنا هذا الوقف؟ مَــنْ؟!

النسوة المصليات احتشدنَّ حولها مندهشات عندما خلعتْ عباءتها، فتحرر منها قبّاض الأرواح الذي قطنها زمناً، أسفرتْ عن جيدٍ علقتْ عليه حبلاً رفيعاً من البريسمِ تتطاوح مندلقةً منه دمى. دمى منسكبة على متنها الأيمن بهيئات بلاستيكية لمنافقين، قماشية متخذةً أشكالاً نسويةً شهيرةً وصوفية لجنود بزي الأسر، ودمىً ورقية تخندقتْ فوق متنها الأيسر لقـّادةِ حربيين، دمىً مطاطية غليظة لرجال دين، وأخرى حديدية لأطفال بعيون كالنطف باردةً ورخيةً.

نظرتْ قطام باتجاه الشمس بعينين نصف مغمضتين، ثم بعينين مفتوحتين صوب ظلها، رأتْ جسدها بلا ظل، حاولتْ فرش ظلها على جدارِ المسجدِ. لا ظل فقط جدارٌ أبيضٌ وظلٌ رمادي مزرق ترشح من شجرة اللبلاب، تطلعتْ ناحية المصليات بعينين ناريتين آمرتين بعدها تفوهتْ بكلمتين متمردتين:

  • انزعنَّ عباءاتكنَّ.
  • . . .

صمتٌ محايدٌ شكل متاهة، واسعاً مثل صحراء الجزيرة، صار مرآةً تكسرتْ بكلمتينِ جرانيتيتينِ آمرتينِ:

  • انزعنَّ عباءاتكنَّ.

استمر الصمتُ محايداً غير منحاز لنداءات قطام:

  • اخلعنَ قيد عبوديتكنَّ.

علّقتْ إحدى المصليات باندهاشٍ:

  • والنداء…!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/مداخلة واقعية/ خلف حشد المصليات رجلٌ مربوع القامة يندلقُ من عينيهِ الحمراوين غضبٌ ساخن. عنوةً كرعتْ زوجته قنينةً مملوءةً بالبنزين، ضغط على زنادِ قداحتهِ فكانت النار ما رأته قطام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انفجرتْ:

  • أرأيتنَّ. الرجال لا يعرفون إقامة العدل؟!

أعادتْ المصلية سؤالها:

  • والنداء ..!؟

قالتْ:-

  • كيف ترتضين أن يعاشرك رجلٌ لا يعرف القسط؟

آخر الدواء الكي، وآخر الصمت عود ثقاب مشتعل رمتهُ قطام، فأحرق عباءتها، بدتْ عيناها السوداوان ملطختين بالنارِ وشفتاها تلمعان في مسّرة، تمردتْ قائلةً:

  • انزعنَ عباءاتكنَّ وارمينها في النار.

أغاضها سكوتهنَّ:

  • النار تحتاج. دائما ًإلى حطب…

قاطعتها أم برفقتها فتاتان بسنِ الزواجِ:

  • وهل كان الستر يوماً حطبها؟!!!

قطام هي التي رأتْ دسَّ إصبعها في جرحِ حواء الأبدي: العصيان.

ذلك الجرح الذي حملنه عن أمهنَّ حواء، فكنَّ يعشن في المنطقةِ الآمنةِ: أطاعت الرجل، في العتمةِ، في السترِ، الآن.. صرن يعشن في المناطقِ المحرمةِ تلك المناطق التي يضيؤها العصيان.

قالتْ:

  • كنا طوال حياتنا وقفاً للرجال.

عجوزٌ درداء من خلفِ كومة فجل تتساءل:

  • ما الذي نجنيه من حرقِ عباءاتنا ؟

قالتْ:

  • الحرية! ستكون لنْا حريتنا!!

معلمة تربية إسلامية تفوهتْ بدهاءٍ:

  • لنحفظ بعباءاتنا لليومِ الأسودِ ما دمنا متحررات.

قالتْ قطام مشيرةً ناحية جسد المرأة المتفحم:

  • وهل هنالك يوم أكثر سواداً من يومنا هذا!!!

تمتمتْ بائعة الفجل بتأثر:

  • ستكون عباءاتنا مسمار جحا.

تساءَلتْ المعلمة:

  • أين نهرب من ماضينا؟

بادرتها مستطردة إئر صمتْ قطام:

  • سنعيش بذلك محنة اينانا مع الرجال.

قطام هي التي رأتْ حركة أصابعهن وجلة، لينة، هزتْ رأسها باحتفاءٍ وبتأثر وهن ينزعن عن رؤوسهنَّ عباءاتهنَّ، من تحتِ ظلمةِ العباءات استيقظ فجرٌ مفضوح رمى جبته السوداء ليتحرر منها فجرُ أجسادهن الأشقر الذي تناوشته مواشير الشمس، فتمايلتْ الظهيرة شقراء حريرية دائخة تؤكد شفافيتها ساعةَ شمَّ انخفاضاتْ طياتْ هضابهنَّ الساخنة .. تطاير.. تألم.. تناثر فتاته من حلاوةِ عبقهن مواشير ضوئية رسمت كشاكشها على جدرانِ المسجد وحيطان المنازل المجاورة .. بهذا دار ناعور النار يحرق الحزن الأسود الذي تراصف ذليلاً في مشاجبِ النارِ، نيران تأكل نيراناً، نيران خضر تلتهم أسفلت عباءاتهن ” كبساطيل” من نارٍ تجوس إسفلت الشارع، فشكلنَّ الحواءآت:/ أورو القطامات /

تفوهْت قطام بكلمةٍ واحدةٍ:

  • أشك.

تساءَلت شقيقة المحترفة بحزمٍ:

  • بِمَ؟

قالتْ:

  • بكن.

ذكرتها حزينةً:

  • أيكفيك دليلاً ما فعلناه بآدم زوج أختي؟

غازلتْ شفتاها الشهوانيتان ابتسامة الرابح على مائدةِ القمارِ، انتزعتْ من رقبتها إحدى الدمى ذات الزّي النسوي، مقلدةً:

  • خذي (( سيميا))1 . إنها دميةالخلود … أنتِ الآن خالدة.

عقبتْ:

  • لست سيميا أنا ….

قاطعتها:

  • أنا أراكِ سيميا.

شعرتْ سيميا بريبةٍ نحاسيةٍ باردةٍ، أفصحتْ عنها:

-ماذا بعد حرق العباءات؟

قالتْ قطام ببرودٍ:

  • الوأد.

تساءَلتْ:

  • وأد مَـنْ؟

قالتْ:

  • كل ذكر.

راغ ضوء الظهيرة كثعلبٍ أشهب يلوذ متقافزاً خلف غيوم رصاصية متناثرة شكّلنَ مع ضوء الظهيرة أرخبيلات غبشية متشرذمة زرعت وجوه الموءودين بلون حبري، طلى وجوههم بثلجٍ حبري مثل لون زهرة الحرب، لأول مرةٍ … أضحت النسوةُ لا يندبنَ، و لا يخرطنَ خدودهن، و لا يلطمنَ صدورهنَّ، ولا يمزقن ثيابهن .. صْرن وائدات: أطفا ، صبيان، مراهقين، شبان، رجال، كهول وهرمين.

قطام هي التي رأتهم يتخبطون في أخبثِ ميتة كثر معها تأرجح ضوء الشموع لحركاتهنَ الدؤوبة وهي تمزّق ثوب النار الذي تكدَّر وأضحى مهلهلاً نتيجة حضور بعض النسوة طالبات:

  • نحنْ نطلب رحمتك.

قالت بعينينِ معدنيتينِ:

  • رحمتي أن آخذ الطفل من يِدِ أمه وأئده.

رفوش الوائدات رقشتْ مزدلفة الموءودين بقبورٍ نمنمتها آلاف الشموع الخرس، رجال المدينة غير عابئين بالوأد، بينما العالم الخارجي خائف، يتشمم رائحتهُ فيتراجع مرعوباً يُشيّعه تساؤل خطيب الجمعة الساخر:

  • مَنْ أنتِ؟

شلّتْ حركة بؤبؤيها رؤيتها إمام الجمعة بثيابه البيض أمامها، قالتْ:

  • أنا التي رأت كل شيء.

قال:

  • وما رأيتِ؟

قالتْ:

  • الخيانة.

عقبَّتْ:

  • الخيانة: مهنتي.

قال:

  • ما جنبتِ منها؟

قالتْ بخيبة:

  • الألم.

قال:

  • آه . كدتُ أنساه. قانون الحياة.

رفعتْ حبل دماها، فتأرجحتْ ظلالها فوق متن الخيانةِ، قطام هي التي رأتْ استنساخ الدمى، دمية تستنسخ دمية، دمى تنشطر من دمىً تتكاثر، وما قطام إلاّ دمية صغيرة تحركها دمى أكبر منها، قال:

  • أنا أرى.

قالتْ:

  • وماذا ترى؟

قال:

  • الخراب في عينيكِ.

بعينين معطلتين أشبه بساعتين خاليتين من العقاربِ، قالتْ:

  • أنسيت أن الجميع عميان لا يرون ما تراه.

أعادتْ حبل البريسم إلى رقبتها فتراكضتْ ظلال دُماها متقدمةً صوب متنها أصبحن

/ في جيدها حبلٌ من مسدِ /، قال:

  • أمـَنْ أجل الألم تئدين الذكور؟

اقتربتْ منه هامسة:

  • كل موءود يعتبر ” نصبٌ حيً1.. لخلودي.

    قطام هي التي رأتْ أَنْ الذكور هم نصبٌ حيٌ لخلودها، وخلودها يأتي بوأد الذكور، إنها حكاية قديمة لناعور يدور بالكراهيةِ حول محور التاريخ وأذرعه منتضية حراب الطعن من الخلف تغدر الرجل وظله، قالتْ:

  • لقد أنفقتُ التاريخ وبداخلي يتقاتل غولان: حقدي وكراهيتي.

 مهر حواء كان نزول آدم من الجنةِ واليوم مؤجل مهرها: الوأد، فحواء هي التي أدارتْ ناعور الدم مع دوران عقارب الساعة فكان الدم هو ما بدأ به الناعور دورته، لم يتوقف قط.

أبداً يدور، لا النهر ينضب و لا محوره يعطب، وأذرعه استبدلت الدلاء بالحرابِ، تشحذ وتطعن سبعاً عجافاً يأكلن سبعاً سماناً في سوق الهرج كانتْ الأرض سمراء صارتْ مرجانية …  عنابية … لكثرة ما قُدِّمَ فوقها من قرابين، قالتْ:

  • در أيها الناعور. در.

أرادتْ عكس دوران ناعورها بالوأد، كون كل الأشياء في الطبيعة تدور عكس عقرب الساعة:(البيضة المخصبة ، الذرة ، المجرة ، الشمس ، القمر ، الأرض ، الطواف حول الكعبة ). إلاّ قطام أدارتْ ناعورها مع عقارب الساعة، قالتْ:

  • خذوا حصتكم من الوأد.

قال:

  • كل شخص مستعدٌ أَنْ يظلمك.
  • …………………………..

قال:

  • كل شخص مصّغر عن: قطام.

قالتْ قطام:

  • أيُّ قطام؟

رأتْ قطام ارتجاف طرفي شاربه، قال:

  • الشجاعة جداً والجبانة جداً، الكريمة جداً، العفيفة والخائنة، الطاهرة والقذرة، المسالمة والوائدة…

قالتْ:

  • وأنت؟

قال:

  • ما أنا الاّ خروفُ يخاف الخروج عن القطيعِ.

هدرتْ ضاحكةً وهي تشير بسبابتها ناحية صدرها:

  • ما قطام إلاّ جب الخيانة.
  • ……………………..

أنفقنا عمرنا نعيش في ظلِ الجّب. بداخله. نبنيه، نعليه حتى تطاول بناؤه حول قاماتنا،

آنئذ أمسى لكل واحدٍ منا جبّه الذي يقبع فيه، بئره، سجنه. قال:

  • سجنك كراهيتكُ للرجالِ.

قالتْ باعتزازٍ:

  • أنا التي رأتْ كراهيتها.

أذن. الدودة ما زالت داخل التفاحة، والداخل منخو، نخرته دودة عمياء لا تدري أن التفاحة نظرة من الخارج والذي نخرته هو: القلب. روح التفاحةِ هو الأساس بينما الخارج. مجرد قشور، أراد الشيخ إمساكها من يدها التي تؤلمها:

  • ما هو مهرك هذه المرة؟

قالتْ بصلافة:

  • الروح.

السماء كمؤخرة دجاجة زرقاء محتقنة بشرينات عنابية، باضتْ قمراً فضياً اندلق سائحاً فوق هلامٍ جلاتيني بلون الليمون الأصفر، شعتْ البيضة الفضية خيوطاً ” ألمنيوميةً” كابيةً فاض منها رذاذٌ غباري يصهل بوجه الشمس مناكفاً اياها بطلوعه ظهراً اجتمعتْ الشمس والقمر صافيان في سماءٍ صمغيةٍ ثقيلةٍ / الشمس والقمر بحسبان / والسماء رفعها وَوَضع الميزان /  قال:

  • أتؤمنين بالقرعةِ ؟

قالتْ:

  • أُؤمن بالحظ. فقط .

قال:

  • / إِذ يُلقُونَ أقلامهم أيهم 000 /

هزتْ رأسها بنعومة، رُمِيَتْ الأقلام، سارتْ كل الأقلام مع التيار إلآ قلمٌ واحدٌ ضد التيار. أذن . الأبيض يفوز، رأتْ قطام فوزها، والخاسرون تماسيح تبكي حظها، حظها بلون دموعها، ودموعها بلون وجوهها، و وجوهها بلون أعمالها، وأعمالها: سود. سود. سود. إذن. الأسود خاسر، قالتْ:

  • مزَّقنَ جبته.

قال:

  • عندما أوأد. ابقين يدي اليسرى خارج التراب ، ستشاهدنَ / وسطى/ يدي منتصبةً بينما بقية الأصابع مضمومة. حتى وان أطبقتـنَها ستعاود الانتصاب.

قالتْ بعنف:

-أوئدنه وأجعلنَ كفه اليسرى خارج التراب.

بابتسامة متنبئةٍ خرج صوته متهدجاً:

  • ستوأدين في جبٍ حضاري.

وأدٌ على وأد، ترابٌ فوق تراب، ظلالٌ بجانب ظلال، دمىً تحركت منزلقةٌ من متنها يرغبنَّ بمشاهدة الشيخ الذي كان وجهه إلى السماء وعيناه مشرقتان تقلبان وجوه الدمى، قالت:

  • ماذا ترى الآن يا شيخنا ؟

بعينين صافيتين قال:

  • تريني وأراكِ، سعيدةٌ وشقي، عيناكِ وعيناي مسلولتان، وكلانا دمية. دمية تحركها خيوطٌ خفيةٌ، أنتِ دميةٌ كبيرةٌ تحرككِ دمى أكبر منكِ، وكلنا … دمى صغيرة في جبٍ متلولب، حصار داخل حصار، والدودة داخل التفاحة، قالتْ:
  • ماذا ترى؟

قال:

  • اللوح المحفوظ .

قالتْ:-

– اقرأ لي ما تراه.

قال:

  • أنا لا اقرأ000 أنا أرى 000

قالتْ بنفاذ صبر:

  • ما تراه على اللوح؟

قال:

  • أرى داخل اللوح (الإنسان وهو في بطنِ أمه يُكتب له أما أَنْ يكون شقياً أو سعيداً))..قالتْ:
  • دع عنك ما في الداخل. الداخل وهم، وقلْ لي ماذا ترى على الهامشِ؟ فالهامش هو الأساس.

قال:

  • ما أراه يخيفني.

قالتْ:

  • ما يخيفك لا يخيفني.

قال:

  • يوماً اثر آخر الحلقة تضيق عليك، تصغر، والدائرة الكبيرة أصبحت خرم إبره، وأنت محاصرٌ وسط الخرم. بالضبطِ في منتصفهِ .. يوماً بعد آخر وحدك تلوك آفاتك .. أنت آفة الهوامش، لم تكن يوماً دودة كنت تفاحة تتعفن داخل الدودة و الدودة في شجرةٍ

    / لاَّ شرقيَّةِ و لا غريبة/ بالضبط في مركز الحصار.

عيناه لاهثتان مشدوهتان تتابعان ما ورد على الهامش:

  • يوماً بعد يوم تكتشف بأنك ضحية لعبة كبيرة، هائلة ومخيفة، وكنت فيها دميةً صغيرةً، هشةً وقشيةً. أنفقت عمرها تعيش نصف في الظل والنصف الآخر تحت الأضواء الساطعة.

سَرَحَ الشيخ مبتسماً مع حركةِ تأرجح ضوء الظهيرة فوق لحده، انحصر الضوء، فكفَّ الشيخ عن الابتسام بينما يعود ضوء الشمس للتأرجح يعاود الشيخ الابتسام، ثم انحسر الضوء بسبب انهيال التراب عليه. آنئذ. كفَّ الشيخ نهائياً عن الابتسامِ، قالتْ متبرمة:

  • ماذا ترى الآن؟

قال من غيبوبته:

  • يوم ( التناد).1

باردة. الأرض باردة، برودتها محببة. مخدرة. لاسعة لسعات ضامة احتوائية تحيل صلصال الجسد الأسمر إلى عجينةٍ شمعيةٍ تستلم بكبرياء وغرابة لجسد الأرض يرتديها بلدونةٍ رخيةٍ ساهياً عن شفتي الشيخ اللتين تدمدمان معذبتين عاتبتين على العينينِ البيضاوينِ الغائمتين لحظة انبثق من مقلتيهما الحنطاويتين خط دمعٍ ساخن ومعذب مصبوغاً بحمرةً فاترة، وحدها قطام رأتْ بعينين فزعتين رامشتين مصيرها في /وسطى/ كفه اليسرى، جثتْ على ركبتيها تضَّم الإصبع لباقي الكف فتعاود الوسطى انتصابها. تميدها، تأبى الانحناء وتبقى منتصبةً.

أخذتْ تلتقط الحصى، ترمي به قبر آخر رجل يوأد، تبَّتْ يُدكِ يا قطام، باطلٌ أنتِ .. فيما حصواتها السبع يقصفنَ سبعاً عجافاً ، سوّتْ بائعة الفجل من وضعِ عباءتها .. عيناها معذبتان ترشحان دمعاً لمشاهدتها رجالاً ببذلات سود يلقون بائعة الدمى في حوضِ سيارةٍ حديثةٍ.. عشرات العصافير المزقزقة رقَّطت جدار المسجد، أطلَّ خادم الجامع متطلعاً بعينين محرورتين لدمى قطام الخرساء، أخذ يلملمها في زنبيلها الخوصي، ثم بعينين ضارعتين شاهد كهرمانة تسكب من دلائها الأربعين غروباً بنفسجياً منغَّماً بدفقات حلمه ليلة أمس، تناديه قطام رغم بكمها، قائلةً:

أينْ تهرب من ماضيك يا مَنْ ستولد فيما بعد ؟ .. إقرأ زمنا عنكبوتياً حاصرنا بنسيجة القاسي ،… كلنا رأينا. لكن ! مَنْ الذي يتكلم لكم يا جيلاً آتٍ؟

1 سيميا : زوجة النبي لوط

1 قال راجيف غاندي: كل طفل يبصر النور في الهند سيكون بمثابة ((نصب حي)) لوالدتي الراحلة أنديرا غاندي .

1 يوم التناد : يوم تولون الأدبار .

 

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى