قصة قصيرة: بعنوان :” وفاء..”
بقلم: شفيقة لوصيف
المدينة : قسنطينة / البلد: الجزائر
رقم الهاتف:061865759
البريد الالكتروني: Chafikaloucif @gmail.com
” وفاء..”
اغرورقت عيناها الزجاجيتان . فانبجس منهما دمع صاف . كانبجاس لفظة حب على ثغر رطب . قد ضمخته ليلة شوق . اندفع الدمع على الخدود يروي حياض الفل المخمورة من قبلات الورد . و قد تماهى فيها و تماهت فيه . فما تدري أيّهما الغصن و أيّهما الرطب . تطلّ تحتهما شفتان كانتا بمثابة معبدين نُحر عليهما تقربا سرب من الطير . تهزّها الشهقة فتردّها وقد أطبقت الشفتان على صفين من جوهر حرّ.
كان الدمع كعصا أوركسترا . كلّما رمشت الأهداب هوت المعزوفة إلى أعماق الروح تغتسل من مستنقع الجرح . ثمّ تعود إذا ما سكنت لتتنشف بسياط الوجع .
شرعت عيوني مصدومة لكني لم أقو على فعل شيء . أنظر فقط في صمت . و نشيد الدمع من حولي يدين بالولاء لفؤوس الوجع . ظللت أرقب في ذهول تراتيل الحزن و أصغي في خشوع إلى ولولة أنفاس هزيلة تخرج كضوء الشمس في يوم غائم من فتحتي أنف غاية في الحسن . كنت مازلت تحت سلطة الدهشة حين اجتاحني صوتها قائلا :
– مريض أبو أبنائي .!
فينعتق صوتي :
– خيرا …خيرا إن شاء الله .
تخفض عينيها برهة ثمّ تصوبهما نحوي. وقد رفعت حاجبها المخملي يمينا تحت خمارٍ بُني . علامة على أن الأمر قد انفرط وزنه .
فيندفع سؤالي :
– مرض خطير.. ؟
تضغط شفتها السفلى بطرف سنّها الماسي . فتسمعك روحها معزوفة من الصليّ قائمة في محراب الألم. حاولت اطفاءها حين قلت :
– وفاء ..يا صديقتي إذا كان المرض بشعا فإن الله جميل .
تزيد جملتي من انتحابها . وقد خالطت أنفاسها غصّات اهتزّ لها جسمها الغضّ . فتحركت مشاعري أكثر ووددت لو أضمها . لكني خشيت أن تكون برودة السنين التي فرقتنا أكبر من حضن لحظة جمعتنا صدفة . فاكتفيت بأن ربّت بهدوء طاهر على كتفها . وقد سبقني دمعي يجاري دمعها .
انسلت الدموع عارية غير عابئة بالأرصفة. و لا بعيون المارة التي كانت ترمقنا . ثمّ سرعان ما تنحو بعيدا عنا . لأن الناس في مدينتي قد ملوا الاحتكام إلى الدمع . في تلك اللحظة أحسست أنها تريد أن تقاسمني سنينا مرت بيننا صامتة حين قالت :
– لقد انتقل للعلاج بفرنسا . وظل هناك ستة أشهر لكن يبدو أن المرض كان أقوى ..!
أسألها :
– و الأبناء ..؟
– كالجمر في الموقد .!
ثمّ تضيف : آه لو تدرين حالي وحالهم …؟
ثمّ تتركني وحدي . و تتوحد في صمت مع دمعها . لحظة مرت بيننا صامتة أطول من عمر الشقاء .
أحسست فيها أن المكان بيننا كاد هو الآخر أن يختنق. فالتفت إلى الأرصفة . عسى أن أجد فيها ما يدير دفة الحديث بيننا . لكنني فوجئت بأن وجدت الأرصفة هي الأخرى كانت واجمة . ترقبنا بعينين باردتين . تطلّ من خلفهما عقارب الزمن المتوقف بيننا . فلم أنتبه إلاّ وصوتي يرتفع بالدعاء.
– اللهمّ رحمتك ..
و قد سمعتها ترد :
نعم لم يبق إلا الدعاء . ثمّ أضافت
– : أتعلمين يا صديقتي الكل يدعو له بالخير .
– خاتمة رائعة إن شاء الله .قلت :
و ما كان لي بعدها أن أقاوم إحساسي أكثر من هذا.. فامتدت ذراعي تضم ذراعيها . و لساني يحثها على الصبر فأقول :
:الصبر … الصبر يا وفاء . والله إنها خاتمة الأنبياء .
فتجيبني بنبرات متقطعة :
– لَمْ أنجح يوما في نسيانه .!
و يجيء صوتي مستفهما :
– و لِمَ قد حاولتِ نسيانه …؟!
– لأننا يا صديقتي .. قد انفصلنا منذ زمن .!
ويصعقني الخبر .!
– هو طليقك إذن ؟!
حتما لم أكن أنتظر ردا من صديقتي. لكنني وددت أن أصرخ في الناس من حولي :
” وفاء في زمن الخيانة ؟!”
بقلم : شفيقة لوصيف