ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة العهد . مسابقة القصة القصيرة بقلم / حمدى محمد اسماعيل .مصر

الاسم /حمدي محمد إسماعيل
العنوان/ الحراجية قوص قنا

نوع المشاركة/ قصة قصيرة

العهد
انطلق صوته الهادئ يشق السكون والظلام المخيّمين على المكان وهو يقول في نشاط مرح: استيقظ يا فتي, إنه يوم جديد حافل بالبهجة والسعادة, ما كل هذا النوم والخمول؟ هيا قم. تثاءب رفيقه في كسل شديد وقال بصوت متناعس دون أن يفتح عينيه: ما زال الوقت مبكرًا, ولم يحن وقت طعام الإفطار بعد, فكف عن الكلام وعد إلى النوم. قال ذلك ثم وضع راحتيه تحت خدّه الأيمن وثنى رجليه إلى بطنه, وحاول أن يعود إلى النوم مرةً أخرى, إلا أن رفيقه صاحب الصوت الهادئ عاد يقول : يا لك من خامل لا همّ له إلا بطنه, إن الحياة جميلة تستحق أن نحياها وألّا نضيّع فيها لحظة واحدة؛ كما أن المرأة الطيبة استيقظت مبكرًا هذا اليوم ويبدو أن لديها أعمالًا كثيرة ألا تشعر بخطواتها المتعجلة, وأنفاسها اللاهثة, وحركاتها الزائدة غير الطبيعية. اعتدل الآخر, واتّكأ على مرفقه الأيمن, ووضع ذراعه الأيسر على رأسه, وما زال مغمض العينين, وقال في ضجر: وماذا تريدني أن أفعل لها؟ هل تريدني أن أساعدها في أعمالها مثلًا, إنها لا تسمح لنا بذلك. تنهد صاحب الصوت الهادئ وقال: ليتنا نستطيع مساعدتها إنها تتعب كثيرًا من أجلنا. هتف رفيقه صاحب الصوت الحاد قائلًا: لست أدري ما الذي يدفعها إلى فعل ذلك؟ إننا حتى لم نرها إلى الآن. قال صاحب الصوت الهادئ: إنها تحبنا وتُفني وقتها في خدمتنا, فلعل لديها دافعًا قويًا يجعلها تفعل هذا. شبّك صاحب الصوت الحاد أصابع يديه وطرقعهما في لامبالاة وهو يقول: عن نفسي لا أريد أن أعرف دوافعها لخدمتنا؛ المهم أنها تعمل على راحتنا هذا كل ما يعنيني. شعر صاحب الصوت الهادئ بانقباض شديد في صدره من تلك الحدّة التي يتكلم بها رفيقه, وحاول أن يخترق الظلام الكثيف؛ ليرى وجهه ولكنه عجز عن ذلك فمطّ شفته السفلى وهز كتفيه في أسف شديد. في حين استأنف رفيقه حديثه قائلًا: كما أن تصرفاتها غريبة مثيرة للدهشة, إنها تحبّنا ومع ذلك تتركنا في هذا المكان المظلم دون أن تحاول, ولو مرة واحدة أن ترانا. قال رفيقه: لا تكن قاسيًا في الحكم عليها إلى هذه الدرجة؛ لعل مانعًا قويًا يمنعها من رؤيتنا, فلا تنظر إلى ما ينقصُنا منها, وانظر إلى ما تعطينا إيّاه, فهي وإن تركتنا في الظلام فيكفينا تلك اللمسات الرقيقة من يدها الحانية التي تربت بها علينا حتى لا نخاف في هذا الظلام. قال رفيقه وإلى متى سنبقى في هذا المكان الكئيب المعتم؟! أجاب صاحب الصوت الهادئ بنبرة رقيقة: إنه مكان جميل, كما أنه … قاطعه رفيقه صائحًا: وما الجمال الذي تراه هنا؟ ردّ صاحب الصوت الهادئ قائلًا: إن الجمال ليس في الخارج, إنه في الداخل, في داخلك أنت, في قلبك. ويكفي أننا نحن الثلاثة: أنا وأنت وتلك المرأة الطيبة نحب بعضنا البعض, حتى وإن لم ير كل منا الآخر. قال صاحب الصوت الحاد: كالعادة في كل مرة نتحدث فيها يسكتني كلامك المرتب. أسرع صاحب الصوت الهادئ قائلًا: بل كلامي الصحيح. ثم رفع حاجبيه في تأثر شديد, وأردف قائلًا: أشعر أن لقاءنا مع السيدة الطيبة قد اقترب, فعاهدني يا رفيقي عندما نراها ألّا نفارقها إلى الأبد, وأن نحيا معًا كما كنا دومًا. وافقه رفيقه بإيماءة من رأسه. ثم ساد بينهما الصمت لحظات طويلة, ولم يحاول أي منهما أن يقطع هذا الصمت وكأنما اعتادا في هذا الوقت من اليوم على السكوت. وشرد ذهن كل منهما في لحظات اللقاء مع السيدة الطيبة, والعهد الذي قطعاه معًا للحياة سويًا, وعدم الافتراق مهما حدث. كل هذه الخواطر دارت في ذهنيهما في وقت واحد, وكأنهما يفكران بعقل واحد, ويشعران بقلب واحد. فكل منهما صار يفهم ما في نفس الآخر قبل أن ينطق به. مضت فترة الصمت المعتادة بينهما؛ إلى أن قطعتها آهة طويلة خرجت من صدر صاحب الصوت الهادئ, تلتها ارتجافة قوية اعترت جسده من رأسه حتى أصابع قدميه, ففزع لذلك رفيقه ومد يديه في الظلام يتحسس جسمه قائلًا: ماذا بك؟ هل أصابك مكروه؟ أجابه صاحب الصوت الهادئ بنبرة واهية: لست أدري, لكنني أشعر أنني لست بخير. قال صاحب الصوت الحاد مطمئنًا له : لا تجزع, فقط تماسك وسيصبح كل شيء على ما يرام ولكن ارتجافة جسم رفيقه ازدادت تدريجيًا, وبدأ يسعل سعالًا خافتًا مما زاد من خوف صاحب الصوت الحاد عليه, فتحسّس طريقه في الظلام, وزحف حتى وصل إليه, ثم احتضنه في لهفة قائلًا: سيمضي كل شيء بسلام, وسنخرج من هنا, ونكمل حياتنا معًا كما تعاهدنا. أليس كذلك؟ قاطعه صوت رفيقه بضعف شديد وهو يقول: لا أظن ذلك, وتقطعت كلماته مما دفع صاحب الصوت الحاد أن يقول: لا تتحدث, واصمت حتى تتحسن, وسأنادي السيدة الطيبة لتأتي إلينا, وتساعدنا. ثم رفع صوته صائحًا: ساعدينا يا سيدتي, إن حياة رفيقي في خطر أرجوك أسرعي. غير أن اضطراب جسم رفيقه بدأ يسكن, وخرجت كلماته واهية تنبئ بالنهاية, وهو يقول: لا تحاول إنها لن تسمع صوتك, كما عهدناها إنها تستجيب لحركات جسمينا فقط. قال صاحب الصوت الحاد في جزع متزايد: إذن سأنادي عليها, وأضرب بيديّ وقدميّ على جدران ذلك المكان المعتم. وبدأ في تنفيذ ما قاله, وتوالت ضرباته على الجدران المرنة المحيطة بهما, وهو يصرخ مناديًا السيدة, لتساعدهما وأخيرًا سمع صوتها تصرخ بشدة وتطلب المساعدة لهم. فقال صاحب الصوت الحاد, وهو يضم رفيقه بذراعيه: لقد شعرتْ بنا وما هي إلا لحظات وتأتي إلينا. ولكن رفيقه قال بوهن شديد: أنا لا أشعر بجسمي, ولا أستطيع أن أحرك قدميّ, ولا ذراعيّ, وسالت الدموع لأول مرة على وجنتيّ صاحب الصوت الحاد فزاد خوفه على رفيقه, واحتضنه أكثر وأكثر, ولكن حركة رفيقه سكنت تمامًا, وتراخى جسمه بين ذراعيه فأخذ يهزّه بقوة, وينادي عليه, وحاول جاهدًا أن يراه, ولكن الظلام منعه فضمّه إليه أكثر, ولكنه شعر أن جسمه أصبح باردًا ساكنًا بلا حراك, ثم شعر صاحب الصوت الحاد أن قوة خفية تجبره على التخلّي عن رفيقه, وتدفعه إلى خارج هذا المكان المظلم, فحاول الإمساك به, ولكنه أفلته على الرغم منه, ووجد نفسه مسلوب الإرادة لأول مرة منذ أن وُجد في هذا المكان. فاندفع إلى الخارج بقوة, وزادت المسافة بينه وبين رفيقه, وظل يصرخ, وينادي عليه, وحاول العودة, ولكنه لم يستطع, وضرب عينيه ضوء مبهر فأغمضهما بشدة وأمسكت به يد قوية ساعدته علي الخروج, وشعر بالحركة المتزايدة من حوله, وصك مسمعيه أصوات غريبة متداخلة ميز بينها صوت السيدة الطيبة, مما بعث الطمأنينة في قلبه, وإن لم يهدأ صراخه على رفيقه. ثم سمع صوتًا يقول للسيدة الطيبة: لقد مات أحدهما في اللحظات الأخيرة, ولكن الآخر على قيد الحياة, لقد كانا توأمين. ضمّت السيدة رضيعها إلى صدرها, ونزلت دموعها, فقد عاهدت نفسها منذ أن عرفت أنها حامل بتوأمين أن يعيشوا معًا, ولا يفترقون.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى