ط
مسابقة القصة القصيرة

دمعة قلم .مسابقة القصة القصيرة بقلم / زهرة العلى مزيانى من الجزائر


معلومات عن الكاتبة :

الاسم : زهرة العلى

اللقب: مزياني

البلد : الجزائر

دمعة قلم…

حان اليوم الذي كنت تخافين منه، كنت تفزعين إذا ما دار الحديث حوله، كنت تسقين جفنيك ماءً مالحا لتدارين دمعك الغالي، كنت تسرقين نفسا عميقا من الهواء كأنه آخر شهيق لك،… أذكر جيدا اليوم الذي جلست به قربي و أدخلتني بحضن أشعر به أن الدنيا بخير، كل مشاكلي تنتهي بابتسامة من ثغرك، ذاك ينبوع جل كلمات الدفء… لما فعلت هذا ؟ و اخترت طريقا بعيدا عني، رغم علمك التام أني وحيدك بهذه الحياة.

كل حياتي قضيتها بالركن الضيق الذي تركتني به و بعد أن و جدتك و تقبلتك على ما أنت عليه ها أنت تعيديني إليه من جديد، هلا تأسفين على حالي و تشفقين على دمع عيني كما كنتِ، ألم تعجبك عيناي و أنت من أخبرني أنها تشبه عيناي أبي و أن الحزن لا يليق بهما، آسف لكن هذه المرة إن لم تردي على سؤالي، فأتردد على طريقك و بأي وسيلة كانت… أمي هل ستعودين إلي أم آتي أنا إليك؟ إلى اللقاء أمي

إنها الرسالة الواحدة بعد العشرين التي أقرؤها في هته المقبرة. أتردد هنا من فترة لفترة لزيارة قبر أبي رحمه الله، لفت إنتباهي في إحدى المرات طفل لا يجاوز عمره اثنتي عشرة سنة بائس الوجه شاحبه، بالي الثياب و هزيل القد، يتردد على قبر أمه دائما و معه ورقة و قلم فيجالس القبر و يكتب كتابه بنثر دموعه ثم يقف وقفة اللائم و يترك كتابه و يغادر ركضا…

أردت أن أفهم قصته و ما الذي يعاني منه لعلني أجد حلا لمشكلته لكن عندما تلوت كتبه و ما حوت لم أكن أتمالك نفسي إلا و أسكب دموعي سكبا لحاله، حقا لكل منا مرارة يعايشها و ما أمر ما يعيشه هذا الطفل، فحسب فهمي من كلماته، أن أمه تخلت عنه عندما ولد في دار الأيتام و هو من بحث عنها بعد هروبه ليجدها قبل شهرين من الآن في مستشفى الأمراض العقلية و لا تذكر شيء غير أنه ذكرها في والده و كانت تحن عليه، بحيث أنه اكتفى بهذا بعدما وجد حضنا يأويه و يد حنون تمسح رأسه، و إن كانت لا تذكر حتى اسمه و قبل واحد و عشرين يوم من الآن فقدها لسبب معين و المسكين قد تيتم مرتين فلا مرارة في هذه الحياة سوى مرارة الفقد و ما أمر فقد الوالدين.

تعودت أن أترك رسالة له في موضع رسالته فيأخذها معه و لا أعلم ما هو فاعل بها، فجل كلماتي كانت مواساة له و لعلها تكون ضمادات لجرحه، لكن آخر ما ترك أو ما أقرأه الآن لا يمكنني الرد عليه سأتركه لأمه، تركت الكتاب مكان ما كان و غدوت أنثر دمعي في سبيل هذا الفتى البائس و أنا أحدث نفسي :” و لنا تحت التراب أحبة لا تعوض بذهب و لا ألماس، أحبة كانوا يسكنون ثنايانا و لا نشعر، كانوا كل شيء داخلنا و لم نكن نعلم إلى أن فقدناهم فانتابنا شعور الوحدة البائس و أصبحت حياتنا مجرد نبتة نسقيها بدموع الحرمان لكي تذبل أكثر فأكثر لنجتمع بهم و نتخلص من ألم صامت ينخر داخلنا و لا يرحم لا صغيرا ولا كبيرا…”

إنه يوم الجمعة و هو يوم زيارة أبي، ذهبت لأشتري باقتين من الورد إلا أن صاحب المحل أهداني الثالثة مجانية و قال إنها سياسة المحل قبلتها و في نيتي أن أسلمها لذاك الطفل إذا ما إلتقته كالعادة

” ما هذا؟؟”

ليس بالعادة أن يزور أحد قبر والدي فهو غريب عن هذا المكان و ليس له أصدقاء هنا، و هذه الباقة لم يمضي كثيرا عليها هنا فهي ليست جافة كليا، ” على كل حال، جاز الله من أهداها لك” .

وضعت باقتي على القبر و أخبرت والدي بسر كان بيننا و بسببه نحن بهذه المدينة الغريبة، غدوت ناحية قبر أم الطفل و لكني لم أره هناك، تقدمت أكثر لأرى نفس باقة الورد التي كانت على قبر والدي ها هنا بنفس الغلاف حتى، ” حقا صدفة غريبة ؟”.

جلت بناظري في أرجاء المكان لعلني أجد ذاك الطفل، لكن لفت انتباهي قبر جديد على يمين قبر الأم ظننته لوالده أو ما شابه فلم يكن عليه شاهده، فالقبر حديث الإغلاق…

أزلت بعض الأشواك التي علت قبر الأم لأجد كتاب جديد، ابتسمت و علمت أن الطفل بخير و أخذت في قراءته و كنت قد قررت أن أظم الطفل للعيش لجواري أنا و متبنيتي، فقرأت:

” أمي يا قلب نابضا رغم موته، أمي يا دما يغذي الروح و يسقي الكيان، أمي يا حياة ليس بعدها حياة، أمي يا كل الجمال، فطر قلبي و لن يتحمل أكثر، فليسامحني الله على ما سأفعل، على ما سأحيى و قد علمت بكل شيء مؤلم.

فقد اتصل بي المستشفى الذي كنت به و قدموا لي أعراضك، ملابسك و مشط شعرك و دبلة كانت تزين ضفيرتك التي كنت أصنعها لك، و كذا دفتر أخبروني أنها لك و أنك من كتبتها بيدك و كذا صورا لعائلتي كلها و قد فقدت…أمي سأعود إليك المرة القادمة ليس بكتاب بل بروحي فهلا جهزت حضنك لي و هلا عرفتني بوالدي و أختي، فما فائدتي و أنا هنا وحدي”.

سقطت أرضا، بعد أن علمت أن هذا قبر الفتى و أنه عاش وحيدا في هته الحياة، أتى حارس المقبرة و ساعدني لأجلس على كرسي كان في الجوار، سألته عن الطفل فأخبرني أنه سكن الميتم و أنه ترك عنده صندوق له، طلب منه أن يمنحني إياه بصفتي فردا من عائلته.

عدت أدراجي للبيت بعد أن حصلت على الصندوق و بعد أن وضعت باقة الورد على قبر ذاك الطفل البائس، دخلت البيت و جلست مباشرة لأكتشف ما دفع الطفل لقتل نفسه،

وجدت ما ذكر في الكتاب من أغراض لكن ما فاجأني هو صورة عائلتي أنا و أبي و أمي و هي حبلى بأخي… توقف نبضي و تساءلت ” هل هذا هو سري و أبي؟، أهذا الذي أخبرني به أبي قائلا:- بنيتي ستفاجئك الحياة يوما ما فكوني قوية كفاية و لا تسمحي لأي شيء أن يهزمك – ” ، لكن هل هذه هي المفاجأة يا أبي؟؟ ، أخذت الدفتر و شرعت في قراءته و لما تلوت حرفا أتيه أكثر و ينقطع نفسي من المعلومات التي لم تخطر ببالي قط، فقد كتبت:

أن أهل أمي قد أخذوها غصبا عنها و فرقوها عن أبي، كما أخبروها أنني و أبي توفينا في حادثة، و أنني احترقت بينما جثة والدي فقط هي التي وجدت و دفنت، كتبت أيضا أنها ولدت ولدا يحمل عيني أبي لكنهم أخذوه و لا تعلم ما فعلوا به، فهي قد حبست و يجبرونها على أن تشرب أدوية لتجن، لكنها مثلت بأنها قد جنت و ما هي كذلك لتتخلص منهم و من ظلمهم، و علمت من خادمة أهلها مكان ابنها فأصبحت تبعث له رسائل حتى يجدها و تجتمع به، و بعد 12 سنة اجتمعوا لكن أهلها علموا بأمر تحسنها و شفائها فكتبت آخر سطر قائلة :” أنهم حتما سيقتلونني هذه المرة” ، ليضيف أخي سطرين لكتابها قائلا:” لا تحكموا عليها من آخر كلماتها فحتى هي لا تعلم سبب وفاتها فقد كانت سرعة السم الذي دسوه في جدسها أسرع من الحقيقة”.

لو صوبوا نحوي سلاح أي ما كان نوعه بل لو قصفوني بمدفع أو دبابة أي سلاح يقتل الجسد و يحرر الروح و لم أكتشف هته الحقائق ولم أتل هذه الرصاصات التي تقتل الروح و تدعها حبيسة الجسد.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى