ط
مسابقة القصة القصيرة

الحالم ..مسابقة القصة القصيرة بقلم / إدريس علوش من المغرب

قــصـة قـصيـرة :

«  الـــحالم »… !

إدريـس عــلـوش

        لم يــكن يـرغـب  في أن يصـبـح مـوظفا لــولا ضـيق ذات اليد و “صعوبة الحياة” على حد تعبير صديق عمره ” ناصر” . لكنه كان يحلم أن يصبح كاتبا وكفى . كاتبا مهما له اسم في دنيا الأدب والصحافة وعوالم الإبداع . ليس بالضرورة أن يكون مثل ” بورخريس” أ و “نجيب محفوظ” أو ” محمد زفزاف” ولا أي كاتب آخر له صيت و شهرة واسعة متداول عند ملتهمي الكتب . المهم هو أن يصبح كاتبا مثلما يريد هو أو على الأقل مثلما يريده أن يكون صديق عمره “ناصر” …

        – صح يا “ناصر” الحياة صعبة … !

        – منذ زمان هي هكذا هذه الفتنة التي يسمونها الحياة .. !

        – لكن من أين لك أنت كل هذه الفلسفة  يا “ناصر” وأنت لست كاتبا .. ؟

        – من الحياة ذاتها، من تفاصيل اليومي،  من المعيش …

– الــحــياة فلـسـفــة .. ! جــميل إذن .. لــكـــن دعـنـا من هـذا واهتم لأمري، ألا ترى أن الوظيفة تخنقني

كربطة عنق .. ؟ !

        – أرى ذلك وما عساني أفعل لك …

        لسنوات ظل يقبع وراء مكتبه. يحاكي الوظيفة دون أن ينصهر في دواليبها. لا يأبه لربطة العنق يتركها دوما في جيب بذلته . نادرا ما كان يلمع حذاءه . خارج أوقات العمل لا يحدث زملاءه إلا لماما . كان يفر من الإدارة مهرولا في اتجاه رحابة الخارج ، أو الشارع،أو البحر، أو الحديقة، او المقهى أحيانا وأحيانا أخرى يختفي في شساعة السينما … لكنه كان لا يجد نفسه الا في الكتابة حين تسعفه العبارة ويغرق في متخيل  لا متناهي لا يستقيظ منه متى يكون أمام نص جدير بالنشر في الصحيفة التي يداوم النشر بها ويكتب فيها عموده الاسبوعي المعنون ب « أول السطر » …

 «ناصر » الذي يدمن على قراءة عمود صديقه لمرات انتقده لأنه يهاجم السلطة بأسلوب تقريري يصل حد المبالغة . ولمرات فشل في ثنيه عن الاستمرار في التعاطي مع قضايا الساعة بنفس الاسلوب التقريري تماما . العمود يحتاج لروح الدعابة والنقد الساخر، العمود فسحة ساحر يتقن فن التراشق بالكلمات هكذا كان يقول له …

         – يا عزيزي العمود فن جهابدة الكتابة، يجب إتقان كتابته أو تركه …

        – العمود موقع لا يعرف المهادنة … !

        – لكن ليس بهذا الأسلوب …

        – لكل كاتب أسلوبه الخاص ، وأنا هذا  هو أسلوبي …

–        لكنك تكتب  القصة بشكل جيد …

–        القصة مسألة أخرى لأنها قصة… ! وأحيانا قصيرة … !

– يا سبحان الله أنت لن تتغير أبدا … !

– هذا أفضل … !

لكن كل هذا ليس مهما في اعتقاد “الهادي ” ، الأهم هو أن يجد له مخرجا من ورطة الوظيفة ليتفرغ لولعه  وهيامه بالكتابة  ما دامت هي الهواء النقي الذي يشبع رغبة التنفس عنده . الكتابة هي قدره الأمثل وربما لأجلها فقط

 وجــد في ارخبــيلات هــذه الــدنيا الغريبة  … ! الوظيفة ورطة أو شر ليس منه بد، أما الكتابة فهي الإنصات والتأمل والجسر الرمزي الذي يشده إلى الناس والأمكنة  والتفاصيل ، الكتابة عنده معول لحفر أنقاض اللحظات المنفلتة من عمره وبوصلة تقوده في اتجاه تعدد محطات المستقبل .

        فقط عليه أن يطبع كتبه  وبعد ذلك سيرى …

                *               *               *               *

لا أحد يستطيع أن يتصور نشوة ” الهادي ” وهو يرى صورته على ظهر غلاف الكتاب ، كتابه الأول ، صورته وهو يدخن الغليون الذي اشتراه خصيصا لهذه المناسبة ، بعدما أخذ له  الفوتوغراف عشرات الصور ليختار واحدة، واحدة فقط تختزل صورة الكاتب في مشهد سينمائي  يميل الى الرومانطقية . ولكم ستكون فرصته  كبيرة عندما سيعلن  عن إصداره في واجهة مكتبة “أعمدة  سقراط” خلف زجاج عرض الكتب الحديثة حيث  يتوافد مثقفوا المدينة لاكتشاف ما جد في أدبيات الإبداع و المعرفة  . وبمجرد أن تقع أعينهم على كتاب ” الهادي ” الأول سيصابون بالدهشة  والذهول وسيعرفون مدى أهمية وقيمة هذا الكتاب .

        « ناصر » هو الآخر سيفاجأ بهذا المنجز العظيم .. ! رغم انه يعرف ” الهادي ” حق المعرفة …

و “هدى” الموظفة بشركة التبغ ستعجب به بعدما تعاملت معه باستعلاء لسنوات لأنه مجرد موظف بسيط تابع لوزارة إعداد التراب . رغم أنه حاول لمرات الاقتراب منها وبشتى السبل ، لكن دون جدوى .. !

        أما طليقته “خديجة” فستندم لأنها تركته وحيدا وهاجرت مع ذلك الكلب الأجرب المسمى “سمير” قبل حتى ان يطلقها لتستقر معه في “روما” العاصمة الإيطالية تحت غطاء الزواج المدني …
رئيسه في الوظيفة سيفزع من هول الحدث ، وسيضطر للاعتراف به بعدما  مارس عليه شتى أنواع التهميش ، وليس ثمة أكثر فضاعة من أن تقضي ربع قرن من الزمن وأنت تسبح في خزان أرشيف وزارة لإعداد التراب أو بالاحرى لإعداد الغبار … !

عائلته، جيرانه، أصدقاءه، وكل  الذين يعرفونه وتجاهلوه لسنوات سيعرفون بقدره وسمو شأنه وسيتأكدون بالفعل أن اختياراته كانت صائبة وأن عزوفه عن مظاهر الزيف ومتاهات الاغراءات كان فقط لأجل انتصار قيم الخلق والإبداع والكتابة عنده .

        صحيح أنه استاء قليلا لأن صورته لم تكن واضحة على ظهر الغلاف ولم تكن بالألوان كما أراد ، لكن لا بأس سيستدرك أمر ذلك في الكتاب الثاني ، لأنه سيشرف على تفاصيل إعداده من الإخراج حتى الصدور وسيضع صورة مغايرة عن الأولى وواضحة كالشمس ، لأن الصورة تعد سلطة على زيغان العين وتضفي جمالية قصوى على شكل الكتاب .

        وعندما ستتراكم أعماله ، العمل تلو الآخر، ما دام العمر قصيرا، ولم يعد هناك متسع من الوقت عنده لتضييعه، سيجمع هذه الأعمال في مجلدات أنيقة لتصدر متسلسلة في شكل أعمال كاملة ، وبهذا سيتخلص من آلاف الصفحات التي اختزلت تجربة العمر والليالي وكثافة اللحظات … إنه تاريخه الشخصي بمحتوى إبداعي ،وقدره النهائي الذب يحمل عنوانا عريضا : ” الكاتب ” … %

* إدريس علوش

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى