ط
مسابقة القصة القصيرة

المعتقل.مسابقة القصة القصيرة بقلم /بريزة يتيم الجزائر

لاسم واللقب: بريزة يتيم
البلد: الوادي…الجزائر
البريد الالكتروني: [email protected]
نوع المشاركة: قصة قصيرة
عنوان المشاركة: المعتقل

المعتقل
رجل جمع كل الأزمنة في زمن قياسي ، شكّل حاضرها بكلّ قسوة رجل ، ورسم القادم من أيامها بكلّ حبّ يعرفه محبّ صادق ……و الغريب بل أغرب ما جمع من أزمنتها أنه نحت ذاكرة ماضية راجعة ، وسكن حين نحت فيما نحت ، وصارت صوره تطل من الماضي السحيق …..من ألعاب الصّبى وطيش المراهقة والشباب …..
من المعقول جدا أن يشكّل الماضي حاضرنا وآتينا ، أما أن يشكّل الحاضر ما مضى فهذا ما عجــــزت عن فهمه وإدراكه ، مع أنه صار واقعا تتحسّسه وتتذكّــــــــر جيّدا – رغم أنّ ماضيها من الحاضر وليس العكس- تتذكّــــر جيدا حين كانت لا تهنأ لها لعبة إلا معه ، وحين كان يرفض اللّعب بالكـــرة مع الصبيان و يركـــض نحوها ليبنيا بيوتا من الرّمــل المبلل بسعة فسحــــة الزمن المتاحة لهما ….فيبني لها بيتا أنيقا جاعـــلا له بدل الباب الواحــد منفذين كبيــرين يملآن بيتها هــواء منعشــا ويجعل للمنزل الصّغير ذي البابين حــديقة أمامية واسعة ويغــرسها بأغصان الأشجــار لتبدو أشجــارا وارفة تخلق للحديقــة ظلا منعشا كما تخلق هي في ساعات لعبهما معا ظلا يسعـــد به ….
وتبني هي بدورها له سور المدرسة التي سيتلقى فيها تعليمه ليتخـــّرج منها كاتبا وشاعـــرا كأبيها ، وليكتب عنها ويحكي أنها ظلّه وأنّه شمسها ….
وحين لا يسعفهما الزمن المتاح للعب وتناديهما أميهما للكفّ عن اللّعب …..يطلبان مهلة إضافية إذ لم يكتمل أهم بناء …..
فيبنيان ن معا معتقلا بأعواد يجمعانها معا من أغصان الأشجار ، فيكون المعتقل بناء متينا سهل البناء ، فهما لا يدركان منه غير سوره ويظلّ داخله فناء واسعا ، تتشابك أيديهما إذ يشكلان بالسّبابة والوسطى قدمان تتجولان في ساحة المعتقل ، لا تكاد هاتان القدمان أن تتشابك مع القدمين الصّغيرتين لسبابتها ووسطاها …عد الغداء……
لم تعد الشمس ولا النار تشكّلان لها معنى ، فقد استفحل فيها البرد مذ خطا هو خطواته الأولى نحو الرّحيل .
لم يرحل كما يفعل الرّاحلون ……رحل وقد جمع في حقيبته المدينة كلّها….جمع أرصفتها وطرقاتها وأعمدة النور ، وأخذ معه السماء ولم يترك نجما واحدا يشهد بردها ويروي أسطورتها في العيش بلا مدينة ولا أرصفة ولا طرقات ولا أعمدة نور ولا حتى سماء……
في غفلة رحيله داس البيت الذي بناه لها . ودكّ المدرسة التي بنتها ، وترك المعتقل بين الأنقاض بلا سبّابة ولا وسطى
الكثيرون يمكنهم الاستغناء عن الكثيرين …..فها قد كبرت بلا أب، وشبّ بلا أم …..وضيعت في مسيرتها الكثير الكثير من معارف وأصدقاء تكن لهم كلّ الاحترام لليد الطولى التي لهم عندها …..والفضل في شفائها من فراقهم أنهم رحلوا دون أن يجمعوا المدينة في حقائبهم …..والسّبب في شقائها أنه المدينة بأرصفتها وطرقاتها وأعمدة نورها ….بسمائها ونجومها…
الرتابة مملّة …. والفراغ الواسع ضيــق ….
ولأنه الآن كاتب وشاعر كأبيها قــــرّر أن يسافر مع كلّ قصيدة إلى حسناء جديدة يبثها شوقه ويشكو لها حرمانه ، ويركب كلّ نص يكتبه ليبلغ أحلام الصّبايا في محادثة مطوّلـــة مع كاتب ويحقق لهنّ أمانيهن……
– لكنّ أبي رحل مخلّفا المدينة بأرصفتها وطرقاتها وأعمدة نورها ، ولم يأخــذ معه السّماء ….وترك كلّ النجوم….

الرّتــــابة مملّة في اللامدينة ، واللا أرصفة، واللاّ…..واللاّ….والفراغ الواسع ضيـــّق ….

حاولت أن تجمع تلك الأعـــواد التي صنعت المعتقل الواسع ، فإذا بالمعتقل يكتمل بناؤه في الزمن القادم ليصير بسور فـــولاذي ، ويُصب له سقف من اسمنت مسلح ، ويقسّم إلى زنــــزانات لا تتعدى مساحتها السبابة والوسطى ……

بريزة يتيم….
الوادي…. الجزائـــــر

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى