ط
الشعر والأدب

دندنة بطعم الخوف,,,قصة قصيرة بقلم ,,,,محمد يوسف

محمد يوسف
دندنة بطعم الخوف *-*-*-*-*-*-*-*
قصة قصيرة -*-*-*-*-
* منذ أن كان طفلاً يراه في نفس المكان ببذلته السوداء في الشتاء والبيضاء في الصيف ،عند مروره من أمام ذلك المبنى المتهالك بأبوابه ونوافذه الحديدية ،حديقته الصفراء ، سأل أباه كثيراً عما يوجد بالداخل ؛فقط كان يقابل سؤاله بزمجرة تطالبه بالصمت ، حاول الاقتراب منه عله يظفر بجواب أو نظرة للداخل ؛لكن كان يُخفيه ذلك الشارب الضخم الذي يعلو وجهه بتقاسيمه الشديدة الصرامة، كعادته كان يلعب بالقرب من هذا المكان بمجرد أن تقترب الكرة من هناك لم يكن يجرؤ أحدهم على الاقتراب ، كان يعيدها ذلك الضخم كطلقة من مدفعه المتهالك يقابلها الصبية بابتسامة ممزوجة بالخوف ،كان أكثر ما يشد الفتى ذلك الكلب الصغير الذي كان يخرج من البيت لينام تحت قدمي الرجل حين يصل صباحا ويودعه عند المساء ،يراقبه حين يطعمه بعض الخبز الجاف ، أصبح دائم المحاولة للاقتراب من ذلك الكلب ،عله يستطيع أن يعرف ما بالداخل ، كان يخبئ نصيبه من اللحم الذي تعطيه إياه أمه عله يشتم رائحة اللحم ، لم يهتم ، لكنه كان كريما معه حين أفسح له الطريق ، اقترب ، التصق بالباب الحديدي ،لاشيء يظهر من الداخل سوى باب أسود أخر ، لم يسمع صوتاً بالداخل ، سوى بعض من الصدى ، يعود للمنزل شارد الذهن يأكل نصيبه من اللحم ، تكرر الأمر معه أكثر من مرة ، دون أمل بمعرفة ما يحدث هناك ، بعد سنين طوال نفس الدار لم يتغير عليها شيء سوى حديقتها صارت جرداء الا من بعض الأوتاد الضخمة المغروسة في قلب الزمن لتنذر أنه ربما كانت هنا حياة ، حاول الاقتراب، لا رجل ضخم ولا كلب يزمجر فقط سراب أحدهم يظهر من حديقة المبني، و خرفشة تنذر بشيء ما قادم نحوه ، بجراءة غير معهودة منه أخرج رأسه من خلف شجرة الكافور الميتة عدا غصن يتدلى خلفه كأنه زائر لصحراء ، الخيال يقترب ،يزداد ارتفاعا ، حتى لاح من خلفه رأس ذلك الشبح بحدود متعرجة سوداء ، تسمرت قدماه ، هب شعر رأسه ،اندفع من جبينه عرق يكاد يحرقه رغم برودته ،لم يشفع له تمتمه بدعاء لطرد الشياطين ،اندفعت باتجاهه أنفاس حارة ،ويد ناعمة تمتد على كتفه صار كالشجرة التي يحتمي بها ، استجمع قواه وبدأ بالاستدارة ببطيء شديد محاولاً النظر إليه ،دارت برأسه شواهد حياته السابقة ،لازالت محفورة بداخله ،يختبيء في حجر أمه حين تلوح شمس الصباح الناعمة ،والرعب الذي يتملكه حين يهرول وراء الكرة بعيدا ،وحكايات “السقا” عن أمهم الغولة والجان ، وزواحف وحيات ،وعند المساء يحبسه أباه في تلك الغرفة المنزوية في أخر البيت بنافذتها حين يعود من اللعب متسخاً ، أو مرتكباً إحدى الجرائم الصغرى ، كثيراً ما ابتلت ملابسه عندما تحف أوراق تلك الملعونة القابعة خارج الجدار ، و تلك الشمعة التي كانت أمه تشعلها دون أن يراها الأب ، يتسرب ضوءها من أسفل الباب لتزيد عذابه حين يتحرك أحدهم خارج الغرفة لتتشكل أشباح ترافقه ، بل القمر المتسلل من خلف الشجرة يزيده هلعاً، مرت بخياله إبتسامة باهتة حين تذكر موعده الأول مع فتاته ، استجمع قواه ليقابلها عند حدود بيت أخر مهجور ،وهروبه حين يسمع أصواتا علم بعدها أن أحدهم يقابل فتاة أخرى ، عاد لواقعه الأليم ،ها هو أخيراً يواجه الشبح بعيون نصف مغلقة ،وبدر يمنع عنه الرؤية ، قرر أن يقتله ،كوم قبضته ،رفعها باتجاهه ، بقبضة قوية اندفعت يده في الهواء ملامسة حدود الشبح حتى شعر بأربطة يده تكاد تتمزق ، لكنه كان سعيداً حين رآه يتناثر تحت قدميه ، عاد أدراجه للمنزل وهو يدندن.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى