ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : الرامــي وشمسُ الغجر . مسابقة القصة القصيرة بقلم / أسماء عادل عواد .مصر

الاسم / أسماء عادل محمود إبراهيم
اسم الشهرة / أسماء عادل عواد
الدولة / مصر
رقم الهاتف – الواتس / 01017187549
لينك صفحة الفيس /
https://www.facebook.com/profile.php?id=100049088962684&mibextid=ZbWKwL
نوع المشاركة / الأدب (القصة القصيرة)
عنوان القصة / الرامي وشمس الغجر

الرامــي وشمسُ الغجر
﴿ ومَا رَميتَ إذْ رَميتَ ولكنّ الله رَمىَ ﴾

أ
دائمًا ما اعتادت أن تقول جدتي أنّ الحديقة قد سكنها يوماً انسانٌ له طولُ النخلةِ ويتقن لغة الأشجارِ ومازلتُ أتذكرُ تلك الحكاية حتىَ خلال ظهيرات عملي في مصلحة الضرايب الحكوميَّـة حيثُ جميعُ الذكرياتِ يأكلها البَقُ والغبارُ. ويوماً وبعدماَ لففتُ غدائي في السيلوفانِ وأخذتُ دواء الأنسولين قررتُ سرقة رزمةٍ من الورقِ لأحكي عليها تلك الحكايةِ لعلها تُشعُ، تتجلىَ لعلي أسمعُ مجدداً غناءَ ساكنِ البُستانِ الشرقيِّ ولستُ وحدي السارقُ فهو كذلك – ساكنُ البستانِ- كان يصعدُ النخلة لتمطرَ بلحاً بلون الياقوتِ ويغوصُ في الترعةِ ليسرقَ سمكاً صغيراً وُلد للتو أو منذ أيامٍ ويسلقهُ ويأكلهُ. كان بربرياً لهُ ذقنٌ كالشعابِ المتشابكةِ ورائحةٌ كالذكرياتِ المتعفنةِ لكنّ الله رزقَ والرزقُ كان صوتهُ. فاسمعوا : يغني فتعودُ طيورُ الحومُ، يغني فتمطرُ غيمة، يغني فتصعدُ شجرة نحو النور، يغني فينعَسُ طفلٌ تعبت أمهُ تهدهدُ فيهِ. ودخلَ الغُز الأتراكُ – حكامُ العِزبِ – القريَّـة فهدوا بوابة البُستانِ وما صمدت دروعُ أغنياتهِ الغجريَّـة أمامَ خيولهم و كرابيجهم و رصاصهم الذي من نيرانِ البروقِ
وبُنيّ على القريّـة بواباتٌ من قرميدٍ ورُصَ عليها خفرٌ مأمورنَ وصار يجولُ حواري القرية هجانةٌ بعد غروب الشمسِ فوق جمالٍ يمنعونَ رجلَ البيتِ أن يخرُجَ بعد الساعةِ كذاَ وصارت عينُ أفنديناَ الحمراءَ تخترقُ حجابَ الأحلامِ وتراقبُ حتى همسَ الحُلم. طفلٌ يئنُ من الجوعِ، لكن الدار خواءٌ و الزرعة يأكلها الدودُ وشمسُ الله سُكونٌ.ودخلوا البُستانَ فهدوا بوابتهُ وضربت ريحٌ كلَّ الأشجار فبكى الفلُ لؤلؤاً أبيضَ منثوراً فوق حشيشِ الوجع القمريِّ. “هات نصيبَ أفنديناَ” لكنّ الرامي ساكنُ البستانِ أصمُّ لا يسمع “هاتِ المعلومَ” ولما لم يفهم وحاول دفعهم لأنهم كسروا حُرمة البستانِ التموا عليهِ، صفعوهُ على وجههِ ووجههُ وجهُ المغلوبينَ بكل بقاع الأرضِ، مَزَّقوا لحم ظهرهِ بالكرباجِ فصنع الكرباج خرائطَ حتى صرَخَ ورأسهُ أعلىَ فاندفعت الصرخةُ وحلقَّ الطيرُ الأسمرُ.

ب
وسُمِعَ صوتُ خفير الموجِ ! فأينَ الموجُ .. إنّ البحرَ بعيدٌ لكنهم غجرٌ – قيل أمهُ معهم. من ولدتهُ زمانَ في سوق الأسماكِ فكان ابن حرامٍ – ودخل الغجرُ ومعهم جيشُ جمالٍ وفوق الجملِ وفوق أخيهِ بلاصٌ فيه مياهُ البحرِ وصوتُ البحرِ وعطرُ البحر ووجهُ الغرقىَ تحت البحرِ. سمعت أمهُ في الحُلم بكاءَ الابن الرامي فقادت غجر الواحاتِ” نحنُ الغجرُ، الرقّاصون نروضُ نموساً وثعابينَ، نضربُ الرملَ و نقرأ النجمة و الكوكبَ و نحملُ وجع البحرِ فاسمع “وقالت أمهُ ما قالت للمأمور الغُزيِّ”وماذا تريدونَ ” فقالوا ” الرزقَ و أرضُ الله فيها رزقٌ مقسومٌ ” ووعدتهُ ببئرٍ من بترولٍ وتماثيلِ من ذهب الفراعنةِ المدفونِ.
وكان زمانُ دخولهم زمانُ طاعونٍ ضربَ القريَّـة، ريحٌ سمراءُ راكمت في حُفرٍ حولها ضبابٌ عِظاماً. وسكنَ الغجرُ البستانُ ودقوا الخيامَ وربطوا الجمالَ ورعوا الشجرَ وكان قنالُ السويسِ فيه رُعاةٌ كذلكَ. دخلت خيولُ الغُـز وأخذت من فيهم الرَمقُ إلى القنال فصارت القرية خالية إلا من نسائها وعيالِها وغابَ وراء الشمسِ الرجالُ، ولما جاؤوا يبحثون عن الرامي كانوا قد نَسوا أنهُ لا يُحسب من صنف البشرِ فهو لا أنثىَ و لا رجل وإنما هوَ.. هوَ إبن الغجرِ وحسبُ.
– أنا باسم الله أمك فاقبلني !
فنظر لهاَ وقال – باسم الله أنتِ أمي وقبلتُـكِ فأسمتهُ – وكان بلا اسم – حبَّـاك وعرفوه باسم الرامي حبَّـاك الغجريُّ حاملُ شمس الغجرِ.
وعمرّ الغجرُ القريَّـة بسحر الآبار حلّوا مياه البحر ورموا البحر بقاع كل بئرٍ وأوصوا الغُـزّ وأوصوا الناسَ” صونوا آبارناَ كي لا تهلكوا” وحبَّاكُ يرمي فيصيبُ، يرمي الطيورَ في الجوِّ فيسقطها ويأكلَ الأوباشُ الجياعُ، يرمي النساء بنظرته فيسقطونَ، يرمي خيولَ الغُـز فيحسدها فتمرَضُ وتموتُ في الإسطبل ويصيبُ الرميَّ.

ج
وأراد الملكُ تعميرَ الكفورِ فأرسل عباءاتٍ من معدنٍ دعاها الناسُ لزمانٍ “العزاقاتِ” وأرسلَ بدل توابيت السقايَّـة مواتير مستوردة تقرقرُ كالإوزِ وأحسَ الناسُ زوالَ زمانِ الآبارِ بأيديهم فمن بلاد بحري و على الزوارق و الكاسكيتاتِ جاء الموتُ المعدنيُّ، وبصمَ الجاهلون على وثائقِ موت الآبارِ و أسموهاَ ” مشروع الإصلاح الزراعـي ” فما حاجتهم لحباك بعد الآن وما حاجتهم لآباره فصوتهُ ما عاد لهم ساحراً كالماضـي، بيد أنهم ما يزالون يسمعونه من آبار ذاكرتهم السحيقة، لكن الراديو عوضهم عنهُ لمّـا إشتراه جناب العمدةِ بعد جمعتين من موتِ الباشخولي بقرصة عقربٍ أخضرٍ والآبارُ عوضتهاَ المواتيرُ وسواقٍ حديثة تسري في عروقها الكهرباءُ و أفاعيلُ حداثةٍ بندريَّــةٍ. وفي مستعمرة الشتاء : شونة الإنجليـز كما صاروا يسمون كفر السوالميَّـة قامت حربٌ ضروسٌ أشعلها من عرشه البئريِّ حباكَ إبن الغجرِ ضدّ الجالس على عرشهِ العلويِّ في سراي عابدين.
– أنا الملكُ فاروق !
– أنا الرامي مَلِكُ الغجر!
تكررُ الآبارُ الصوتينِ معاً فأيهُما غالبٌ. نزل الإنجليـزُ وزمان الإنجليـزَ أشدُ بأساً من زمان التفتيشِ وأمام العقيد البريطاني فإن شرورَ الباشخولي بعوضةٌ أمام فيلٌ . وبهذا فإن زمانَ الشرِ البرئ قد وقع تحت أسرِ مخالب الحداءة ومضى ينوحُ ينوحُ وحلَ زمانٌ جديدٍ. زمان شرٍ جديدٍ!. تحت الأرض خريطةٌ للآبارِ، و فيها مسالكُ الآبارِ حفرها الغجرُ الأوائلُ. غجرُ الشرقيَّـةِ.وسكنهاَ – خلفَ حجاب الظواهر– حبّاكُ. ونزل للكفر هوّارة في ثياب غوازي ونزل للكفر مطاريدُ في ثياب ثعالبَ هذا قصرُ العقيدِ الإفرنجيّ وله سجاجيد وثرياتٌ وحشمٌ، هذا قصرُ إبن الغجرِ السوّاح وله ماءٌ وفوقه قمرٌ مذبوحٌ وهؤلاء جنودهُ في دراجينَ يسكنون دوراً أخرجوا أهلهاَ غصباً وهؤلاءِ جنودُ إبن الغجر يسكنونَ الزمن الأخضرَ تحت تعريشات العنب وأسفل شجر اللوز وضياءِ الموز السائلِ في الأحداقِ جرّت حربٌ رصاصٌ فرصاصٌ وبين الرصاصِ أغنيَّــة، حصارٌ ففرارٌ وبين ذاك أغنيَّـة و مضت حروبُ سكان الجناين مع الإنجليـز في كفر دراجينَ لزمان طويلٍ وصار يسمعُ العقيدُ من بيته وقع الرصاص وسقوط العساكر كأوراق توت الخريفِ فأراد وضع نهاية لما يجري وعلم سرّ الغجري لما دفعَ للطبالِ جنيهاً جديداً فقال ” لا ندري هو أو لا، لكن لو كان حبَّاك فهو يسكن قعيان الآبار وفي قريتناَ أكثر من سبعين بئراً أدلكم عليهاَ”.
وفي ليلة حصار آبارهِ كان الغناءُ ما يزالُ يحومُ في القرية غاسلاً حوارياها.كان نهاراً ماطراً كأنَّ الآبارَ انقلبت و ظهرت من السماءِ وسكبت ما فيها من مياهٍ على الإنجليـز فبللتهم وسمع رصاصٌ وقيل ماتَ.لكنه اختفى حباك، أغلقوا عليهِ بالحجارة جميع الآبارِ .. أغلقوهاَ بصعوبة بالغة تحت الأمطارِ ففي الليالي الشباطيةِ ضربت الأغاني القريـة من قعر الآبار و كادت تطير الحجارة واحتاجوا خمسين رجلاً حتى يرفعوا حجراً واحداً على كل بئرٍ حتى يطمروا أغاني حباكَ السرمديةِ.
“لا تبيعوا الآبارَ قال الغجرُ !”، “لا تبيعوهاَ فأرواحُ الأرضِ فيهاَ ” لكنهم باعوها وباعوا الأرضَ.
الأرضُ بما فيها من قصورٍ و بيوتٍ وجنائنَ وخيولٍ حجرٌ يطفو في كفك يا حبَّـاك فإرمي باسم الله حجرك جهة الشمسِ.ارمي الشمسَ فالشمسُ رغيفٌ واخوتك على الأرضِ جياعٌ. ورمى الرامي وأصاب الرامي.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى