ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : المُثقف المنبوذ . مسابقة القصة القصيرة بقلم / حنان عماد خطاب .مصر

الاسم:- حنان عماد خطاب

الدولة:- مصر

المحافظة:- الجيزة
01092280729

اسم الشهرة:- حنان عماد خطاب

الفئة:- قصص قصيرة

صفحة الفيس حنان عماد خطاب

“المُثقف المنبوذ”
في إحدى الليالي التي يسودها الظلام الدامس، وبعد سنوات من الصراع العقلي بين الشك واليقين، يبحثُ هنا وهناك في شتى المجالات المختلفة، يُريد أن يكون أكثر نضجًا، فهمًا، معرفةً، يخشى الموت جاهلًا، يُريد أن يفرق بين عواء الكلاب وعواء الذئاب، يفكر ويفكر في تغيير فكر أهل القرية وتقاليدهم السوداء، التي يسودها الجهل ويتخذونه وسيلة لراحتهم النفسية، يغلقون عقولهم ولا يستخدموها، لا يريد أن يكون منبوذًا بثقافته في مجتمع يسوده الجهل، بل يريد أن يصبح عطرًا في مستنقع، أن يتناثر عطره ليغطي على رائحة المستنقع الكريهة، يسعى نحو جرف عقولهم نحو التنوير، يغمره الكثير من الأحلام والمخططات والأهداف التي تحتاج إلى الأمل، لكن الأمل هناك على الضفة الموازية المقابلة لضفته هُنا، يراه أمامه من بعيد، بداخله سراب ضوء من العزيمة، لكن ما يُعيق وصوله بحر هائج أمواجه، يبتلع من يتقرب إليه، فالبحر لا يُحب المنافسةِ ومن ينافسه يلقى حتفه داخل أعماقه، فالمصير محتوم، ولن يفلح الأمر، ضجيج عقله لا يتوقف عن التفكير لحل تلك المعضلة، يصارع أفكاره من حين لآخر، فالخوف ينجب التردد، والسكوت لن يُفيد، كان يعلم مُذ البداية أن الأمر ليس سهلًا باتًا ولن يكون، فهو أبى الاستسلام وقرر خوض تلك المعركة مهما كلفه الأمر، لن يضيع أمله هباءً، ليس من العدل أن يكون لديه أمل، ثم يُلقى حتفه داخل أمواج البحر الهائجة، يحاول جاهدًا سرقة المزيد من الأملِ، يهاب أن ينقلب خوفه من فقدانِ الأمل لخوفٍ هستيري وهذا ما يُسمى بالخوف غير العقلاني، وهو احتمال حدوث شيءٍ خطر في المستقبل، يهاب أن يُصبح جسده مقطعًا إلى أشلاءٍ صغيرة، أن تذهب محاولاته سُدى، الحياة خادعة، تهب رياحُها في غمضة عين تلتهم كل شيء أمامها، لا سبيل للنجاة منها، فهي كأمواج البحر الهائجة لا تُخوض منافسات لانتصارها الدائم.
خالد ذاك الشاب المثقف الطموح الذي نشأ في بيئة يسودها الجهل عشوائية، تتخذ الجهل وسيلة للراحة، تُهاجم من تجده مختلفًا عنها، يُعاني كثيرًا وهو ما زال في مقتبل العقد الثاني من عمره، يشعر أنه منبوذ من الجميع لا سيما نفسه، فساد المجتمع حوله جعله يظن أنه المخطئ الوحيد هُنا، الجميع لا يكف عن مضايقته بكونه مختلف عنهم، كلما يمر أمام فئة من البشر يهتفون دائمًا أيها المثقف أين تذهب! أيها المثقف اتأكل الطعام مثلنا!، أيها المثقف .. أيها المثقف، يظنون أن تلك الكلمة تُسبَّب مضايقاتٍ له، فهم يريدون إطفاء شعلة تمرده وأمل نجاته بحديثهم اللاذع، لكنه يزداد تمردًا وعزيمةً بدلًا من أن يثور عليهم، نظراته الحاسمة تكاد أن تنبع نيرانًا كتنين مجنح يخرج اللهب من فمه، مقتنع أن سراب الأمل سيُنير الدرب عاجلًا أم أجلًا، ولن يكف عن خلق المحاولات إلا بعد أن يجفف المستنقع الذي تسوده رائحة الجهل الكريهة ليتناثر عطره في المحيط، ويزداد إصراره على منافسة البحر ذي الأمواج الهائجة والانتصار عليه، وأن تخضع رياح الحياة له معلنًا أن العلم هو وحده من سيسود العالم حتى ولو لجأ العالم بأكمله للجهل، وستنتهي العادات والتقاليد التي صنعها شخصًا منافقًا يدعي أنَّ تلك العادات والتقاليد الخرقاء من أجل إنشاء مجتمع محافظ
_أتعلمُ يا صديقي؟
_ها أنا أنصتُ لك، فلتخبرني.
_الأمل موجود واليأس موجود، وجهتان لعملة واحدة، كلاهما يعكس معنى الآخر، الاحتمال الأول إيجابي والثاني سلبي، لكن أتدري ماهيه الحقيقة؟
_ أليست هذه حقيقة!
_بالطبع لا
_ما هي إذًا ؟
_لا وجود لليأس، ولا وجود للأمل، مجرد شعور أحدهما سلبي والآخر إيجابي، أنَّ طريقة التفكير سواء كانت إيجابية أو سلبية فهي مجرد انعكاس ناتج عن تصوراتك، نحن من نختار ماذا نريد، نحن فقط من يمكننا تغيير أنفسنا.
_ما هي نظريتك يا خالد؟
_ترويض العقل، يجب أن تُروض عقلك جيدًا، أن يكون حُرًا، يُفكر بأكثر من المنطق نفسه، ألا تسمح له بالخضوع لأفكار مختله؛ حتى لا تقع سجين أفكارك، فيُفكر المجتمع عنك وتصبح عبيد أفكاره، الخضوع لفكر المجتمع يعني أنَّ انتهاك حقوقك سيكون من حق المجتمع، كما أنك ستصبح فريسة سهلة ووجبة لذيذة لهم، أنتَ من يمكنك أن تصبح عابدًا أو فارسًا، فكُن فارسًا فهم قلة.
صرخةٌ واحدة أيقظته مما كان يتحدث عنه، صرخة مستغيث، ولم يمر سوى بضع ثوانٍ حتى تعالت صياحات الناس، الجميع يستغيث لطلب العون، انتفض جسده أثر ذلك الصوت الذي أحدث ضجيجًا كبيرًا، هرول مسرعًا للخارج، فوجد حُشد من الناس يلتف حول جثة هامدة لا حياة بها، والدم يتناثر من حولها في كل مكان، خارت قواه من هول المشهد وهو يرى شابًا يبدو أنه يبلغ من العمر ربع قرن، قد صعدت روحه إلى السماء أثر سقوطه من الدور الخامس من إحدى العمارات.
أصبح الجميعُ يتهامس ويُردد لقد مات منتحرًا، لقد قتل نفسه بغير وجه حق، كان المكان فوضويًا للغاية، وبعد مرور القليل من الوقتِ أتت سيارة الإسعاف لنقل الجثة وعمل الإجراءات اللازمة، وانفض الحشد وكل شخصٍ ذهب إلى عمله غير مكترثين بما كان يحدث من بضع دقائق، ظل خالد واقفًا يتتبع أثر المنتحر لعله يجد سبب انتحاره، أخذ يُشيع بنظره هنا وهناك حتى سقطت عيناه على ورقة بيضاء، ملطخة بقطرات دم صاحبها، أخذه لفصول ليقرأ ما بها، بدأ يقرأ محتواها بهدوء وسلاسة حتى جحظت عيناه وتوسعت أثر كلمات ذاك الشاب
“المجتمع ملئ بالوحوش البرية التي تحكمه، يُهاجم من يتمرد على الجهل ويُشجع من يغلق آفاق عقله، لا أعلم من سيقرأ هذه الرسالة، لكن أود أن أخبر من يقرأ كلماتي ألا يستسلم للواقع المنبوذ، الحياة تعصف بمن تغمره الأحلامِ والأهداف، جعلوني منبوذًا في حق نفسي حتى فقدت آخر سراب أملٍ، لم يكن لدى القدرة الكافية على الصمود لا سيما العزيمة، فـ كان الانتحار أسلم حل حتى لا أكون عبيد أفكارهم، أعلم جيدًا أن ما فعلته ليس حلًا لكنني لم أجد غيره، فالمصير محتوم”
أنهى خالد قرأتها وهو ينوي فعل شيءٌ ما، ثم وضعها في جيبه وهو يردد
“أمَّا أن تكون جاهلًا أو مثقفًا منبوذًا”.

لـ حنان عماد خطاب

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى