ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : صدِيقي والعيد .. مسابقة القصة القصيرة بقلم / عبد الخالق الجوفي .. اليمن

عبد الخالق الجوفي

الاسم / عبد الخالق عبده سليم الجوفي . * / من مواليد 17/8/1980م الجمهورية اليمنية صنعاء. * / شاعر وروائي
صــَدِيــقـِي والـعـِيــد

التقينا في ثاني أيام ِالعيد…. عاتبتهُ على قضائه ِالعيد وحيداً في غرفـَتـِهِ ((المنفى)) كما يُحب أن يسَّميها فقال: إذا عُـرِفَ السببُ بطل العجبُ كما يقولون!
– أي سببٍ يجعلكَ تعتزلُ الناسَ في يوم ِالعيد؟!
– لي عُذري في ذلك… ولو علمتهُ لأدركتَ ذلك.
– لا أعتقدُ أنَّ لكَ عذراً أبداً.
– إذاً اسمعني، ثم احكم بعد ذلك.
– حسناً… تفضل.
– كانت ليلة ُالعيد ِمن أشد الليالي وطأة ً على نفسي حيث تأرجحتُ فيها بين أمرين أحلاهما مُر، إما العودة لمنزلي لقضاءِ ما تبقى من ساعاتها، أو البقاء على رغم كرهي لذلك، فهي ليلة ليست كأي ليله… والعيدُ ما عاد يفصلنا عنهُ سوى سويعات قليلةٍ حتى يُـطِلُ علينا بعبقهِ وبحلته ِالجديدة التي تكسي عوَّاده وصفائه الذي يطهِّرُ سرائرَ الناس فيجمعهم في باكر صبحه للعناق والسلام… كان من المفترض بل كان لزاما ً عليَّ ألا ترسل الشمس أول خيوطها الذهبية إلا وأنا في منزلي… بل في غرفتي القابعةُ بتواضعٍ في الجزء الشمالي من سطحِ المنزل الواقع في الشرق الأوسط من العاصمة صنعاء، وبالتحديد في إحدى الضواحي التي تستلقي كحوريةٍ فاتنةٍ على سفح نـُقم الأشم, هناك… حيث لا تزال الطبيعة تحتفظ بطابعها مكونة مُتنزهاً ًمُطلاً على صنعاء تقصده الأسر والعائلات من المناطق البعيدة والقريبة.
ذلك الإلزام ليس لرغبةٍ في نفسي أو لشوقٍ أو شغف ٍلقضاء ِأجمل وأجلَّ أيام ُالسنةِ في أحضانِ أسرتي التي أصبحت ممزقة، ولكن لرغبة ٍفي التواري عن عيونِ الناس الذين لا بد ستـُـلفِت أنظارهم ملابسي التي بات من الواضح قدمها… وشعري الذي استطال وما استطعتُ حتى تقصيرهْ… وحذائي الذي بِتُّ أخجلُ من انتعالهِ في الأيامِ العاديةِ، فكيفَ بالعيدِ؟!!.
وقَضيتُ ليلتي أو بقيتها كما سلف من ساعاتها… بل أشدَّ وأقسى خصوصاً كلما اقترب الصبحُ وكأنها الساعاتُ الأخيرة ُفي حياتي… أو لـَكـَأنِي أُقبـِل على الموت لا يفصلني عنهُ سِوى لحظاتِ شروق شمس العيد فبتُّ لذلك أرقبُ الدقائقَ والثوانْ… اسمعُ ضحكات من حولي فأحاول ُمُجاراتهم في سرورِهم مُتصنعاً الابتسامة َ التي كِدتُ أنساها في مثل ِهكذا مناسباتٍ حتى لا أكونُ نكرة ًبينَ المعارف ومُحاولا ً كذلك إخفاءَ معالمَ الحزن ِالمرسومة كوشمٍ على وجهي برغم جَلائِها لنـَاظـِرِيَّ الذين ذبحتني نظراتهم ُالمتسمة ُبالعطف ِوالشفقة ِالتي لا أُحُبذها ولا أتحمَلـُها…. إلى إن أُذنَّ للفجرِ فذَهبتُ للصلاة ِوعـُدتُ بعدها لأخذ ِأوراق ٍكُنت قد اشتريتها، وكتابين مـُتـَعـَلـِقـَين ِبـِدراستي الجامعية التي أصبحت اختباراتها بعد اقل من الشهر كان قد تفضل بهما عليَّ أحد الأصدقاء.
ولعلهم عند ذهابي لأداء الصلاة قد تحدثوا عني وعن سببِ رغبتي العارمة في الذهاب، وأدركوا السبب الحقيقي وراء ذلك على رغم تعذري بالنوم الذي لم يجد سبيلا ًإلى عينَيَّ تلكَ الليلة، حيثُ إني إذا ما بقيت فلا مكان أستطيع الخلود فيه للنومِ بسببِ الضجةِ التي سيُحدثها الأطفالُ إثر الفرحة الغامرة بالعيد.
على رغم تبريري الذي كان صادقاً وستاراً لحقيقةٍ أخرى يُدرِكونها لم يقتنعوا… وما كان ليقنعهم ذلك التبرير أو يقنعني أنا نفسي… لكن الحقيقة قاسية ولا أستطيعُ الاعترافَ بـِها فكرامتي لا تسمحُ بذلك على رغم يقيني بمعرفتهم لها.
كنت أتمنى البقاءْ… وكنتُ للحظةٍ قررتُ ذلكَ في نفسي إلا أنََّ نظراتهم التي ما كُنتُ لأقبلها أو أُطيقها حسمتِ الأمر… فقد كانت أمضى من سهام ٍأصابتْ فؤادي فأدمته ُوأثارتْ مقلتيَّ فأدمعتهُما… وما عدتُ قادراً على تحمل ِالمزيدَ فاستأذنتهم وخرجتُ مُسرِعاً علَّ أحداَ ًلا يرى دموعي التي صارت رفيقي صباحَ كُل عـِيـدْ.
كنتُ أمشي وكل خطوة ٍتـفـتحُ جُرحاً، وكلَ جُرحٍ يَجُــرنِي لذكــــرى مؤلمةٍ… وجُرح ٍأكبر.
كان الضوءُ ما يزالُ خفيفاً عندما كنتُ أُلقِي نظري على النوافذ التي أصبحت مُضاءَة… جالَ في خاطري ما قد يكونُ حادثاً خلفَ زجاج تلك النوافذ… حلقتُ بخيالي فإذا الأطفالُ يستيقظونَ مسرورين عند سماعهم أصوات والديهم لارتداءِ ملابس العيدِ الجديدةِ… وصوت المذياع يُطربُ بالأغاني العيديةِ السعيدة… قد يكون ما يحدثُ بالفعل خلف َزجاج تلك النوافذ أكثرَ فرحاً وسعادةً ودفئاً من ذلـك… أو أكثر تدفقا ً للعاطفة بين الأبوين والأبناء، لكن ما جال بفكري أو ما تخيلتهُ هو ما كان يحدث ُلي عندما كنتُ طفلاً، وأسرتي ما تزالُ مترابطة… أو هو ما تمنيتُ أن يحدث َلي الآن على رغم أني جاوزت ُسِنَ الطفولة… إلا أنهُ ما يزالُ بداخلي طفل ٌبحاجةٍ إلى أن يلعبَ ويكسرَ حدود العقل… ما يزالُ بداخلي طفلٌ بحاجةٍ إلى حضن ِأمهِ الدافئ وعطفَ أبيهِ…. لكن ذلك صار ضرباً من الخيال المحال… فأمي قد غادرتـُها وأسرتها قـُـبيل لحظات، وأبي أتجهُ إليهِ الآن ليصدمني الواقعُ ويُذكرني بجرح ٍلا أظنهُ يندمل، وليس بمقدورِ السـنين تطييبهُ أبداً.
عندما وصلتُ إلى منفاي على سطحِ منزلنا… نظرتُ من النافذة ِلعيون ِالصغارِ والكبار ِالتي تملؤها الفرحة ُفدمعت عيناي فرحاً لهم… وحزناً على نفسي… وحَالـِــي.
لما انتهى من سردِ قصته مع العيد كانت ملابسي الجديدة قد أغرقتها الدموع فعذرتهُ…. ولم أعذرْ نفسي…

عبد الخالق عبده سليم الجوفي

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى