ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : ماريا . مسابقة القصة القصيرة بقلم / فؤاد سلامي . الجزائر

الإسم الكامل: فؤاد سلاَمي
Fouad Sellamiالشهرة:
الدولة: الجزائر
https://www.facebook.com/sellami7fouadالفايسبوك:
00213675397782 رقم الهاتف:
00213675937782 الواتس:
ماريا
تبدأ قصة سعيد مع أول رحلة له إلى باريس، فبينما كان يجلس في بهو السفينة إذ لمح امرأة كانت في غاية الجمال، كانت ترتدي معطفا بُنيا ووشاح أصفر، ذكرته بإحدى نجمات السينما الأمريكية في سنوات مجدها، لكن ما ماجذبه إليها أكثر هو طريقة شد وشاحها حول رقبتها، لا أعلم لماذا يمكن لتفاصيل صغيرة مثل هذه أن تجذب إمرأة لرجل!
تقدم إليها ببطيء شديد، وقد تملكه بعض الخوف، لكنه تشجع قليلا وقال لها بنبرة خافتة: مرحبا يا سيدتي، لم تجبه في الحين!.
فأعاد عليها التحية مرة أخرى، مرحبا يا سيدتي، هل أنت مسافرة لوحدك؟.
سؤال سخيف طبعا، لكن أحيانا يتوجب على المرء أن يطرح مثل هذه الأسئلة، عندما لا يجد ما يقوله؛ أو يتعذر عليه الكلام، فالتفكير يكون مشلول في مثل هذه المواقف، التفتت إليه وتبسمت قائلة: مرحبا! وكان يبدو عليها الهدوء والسكينة.
قال لها:إسمحي لي يا سيدتي أن أعرفك بنفسي. أنا المهندس سعيد من الجزائر ..هل لي أن أدعوك سيدتي على فنجان شاي في بهو السفينة ؟.
ردت عليه بلباقة منقطعة النظير: تشرفت بلقائك يا سيد سعيد، هذا من دواعي سروري أن ألبي دعوتك، إسمح لي أن أعرفك بنفسي أولا، أنا إسمي ماريا وأنا فرنسية الجنسية وأعمل ممرضة في إحدى العيادات بالضواحي الباريسية.
لن ينسى سعيد أبدا تلك الابتسامة اللطيفة التي كانت مرسومة على محياها وهي تحملق في عينيه، و مع ذلك كان يحس أن عندها سرا ما لا تقوى على البوح به، كان ينتابه أيضا شعور أنها مُستمتعة بكل لحظة، فالمكان كان غامرا بالشاعرية والأحاسيس الرومانسية تحت أنغام الموسيقى الهادئة، كان يشعر كأنها فراشة خرجت من شرنقتها لتوها. ومع ذلك فقد ساد الجو بعض من الغموض، فهي لم تكن تسترسل كثيرا في الكلام، و كانت تجيب على حسب أسئلته لها وباختصار شديد، دون أن تحاول معرفة شيء عنه، مثل هذه الأشياء قد تفقد سعيد الثقة في نفسك، و يغمره الشك بأنها غير مهتمة به.
لقد أحس سعيد أنه يعرفها من زمان بعيد، و أنه تحدث إليها أكثر إنجذب إليها أكثر.
بعد تردد طويل، قال لها: هل تسمحي لي يا ماريا أن أسألك سؤال شخصي؟.
قالت له: تفضل يا السيد سعيد .
قال لها :هل أنت مرتبطة أو على علاقة بشخص ما؟ و ناديني فقط سعيد.
تبسمت قليلا ثم قالت : لا يا سعيد، لست مرتبطة مع أحد.
لقد أثلجت قلبه بهذا الرد، هذا ماشجعه على طلب مواعدتها..
مرت الأيام والأسابيع و كان حبهما يكبر يوما بعد يوم و عندما طلب منها الزواج، ترددت كثيرا وقالت له: لا يمكن أن أقبل يا سعيد !
تنهدت ثم قالت : لم أعد قادرة أن أخفي عليك الأمر ..!
لم أستطع أن أصارحك في البداية لأني كنت أنانية، كنت أعيش أحلى أيام حياتي معك و كلما هممت أن أخبرك بسري، ينتابني شعور بالخوف من خسارتك، سامحني أرجوك.
تعجب سعيد و بدت الحيرة على محياه، لا عليك يمكنك إخباري ..فأنت تديننا لي بذلك.
قالت له: السر الذي كتمته عليك منذ أول لقاء جمعنا، هو مرضي يا سعيد .
نعم أنا مريضة !.
و قد شخصني الأطباء بمرض وراثي نادر لا شفاء منه، و المصاب به لا يعمر كثيرا، لم أكن أتصور الأمر يصل بي إلى هذا الحد، وأن أحبك و أتعلق بك، كنت أظنها مجرد علاقة عابرة و أنك ستمل مني مع مرور الوقت و تنساني، وهأنت اليوم تعرض علي الزواج.
لم يستطيع سعيد أن يتفوه بكلمة واحدة من هول الصدمة، و كلماتها وقعت عليه كالصاعقة، لقد كانت سهام اخترقت قلبه حزنا وآلما ومزقته، حتمية موتها كاد يفقده رشده.
بعد أن لملم سعيد نفسه قال لها: إسمعي يا ماريا سنتزوج اليوم ولا أريد أن أسمع منك كلمة واحدة تتحججين بها ! إلا إذا كنت لا تحبنني، وذلك أمر آخر!
قالت له :لا ..لا تفعل .. أرجوك !
قال لها : الحب الصادق و الحقيقي هو تضحية قبل كل شيء و أنا مستعد أن أضحي بحياتي من أجلك.
إبتسمت و قالت: لقد بدوت لي يوم التقينا على ظهر السفينة، أن بك بعض الجنون، الآن تأكدت أنك مجنون فعلا.. لم أكن أتصور أن حبك لي قد يصل إلى هذه الدرجة من الجنون و تتزوج من إنسانة ميؤوس من حالتها يا سعيد ؟!.
بعد إتمام مراسيم الزواج، عاشا سنوات منقطعة النظير من السعادة و الحب، مرت عليهما كالبرق، وفي يوم من الأيام سقطت ماريا أرضا مغشيا عليها.
نقلت على جناح السرعة إلى المستشفى و عندما سمع سعيد بالخبر أصيب بخوف شديد، وانطلق إلى المستشفى بسرعة جنونية، كاد على اثرها أن يفقد السيطرة على سيارته.
لقد مكثت زوجته في المستشفى بعد ذلك اليوم أكثر من ثلاثة أشهر، لم يفارقها يوما واحدا، وحين قرب أجلها شدت بيده بكل رفق و بكل ما تبقى لها من جهد ونظرت في عينيه وقد أنهك المرض تراسم وجهها، وهي تبتسم بصعوبة كبيرة محصلة ابتسامة صغيرة.
و قالت له بكلمات متقطعة : اسمع يا سعيد..لعل لن ألقاك بعد يوم هذا، أريد منك أن تعدني أنك لن تحزن على فراقي كثيرا، و أن تحيا حياتك، دون النظر إلى الماضي.. لقد منحتني الحياة و منحتني السعادة .
إن الفترة التي قضيتها معك كانت أسعد أيام حياتي، لقد كنت لي البلسم لحياتي، لقد كنت لي كل شيء، ..أحببتك يا سعيد حبا وصفه، حب تحس به فقط الزوجة الصادقة فعلا في حبي زوجها، عش حياتك من أجلي، فالحياة لا يجب أن تقف على أحد، حتى و لو كنت لك أعز ما تملك !.
مع هذه الكلمات المليئة بالحزن والآسى لم يكن بوسعي سعيد إلا النظر إليها، و دمعه ينهمر من عينيه، لم يكن يقوى على الكلام أو حتى إكفاف دمعه.
وهاهي الآن تغادر لوحدها، وهي التي تعودت أن تصاحبه أينما ذهب وارتحلت.
كان يحس أنه سيؤجج من آلمها، لو تفوه بكلمة عتاب على رحيلها لوحدها! لقد كان الحديث عليه صعبا ..
صعبا بأن يبوح بكل أحزانه..وحين فاضت روحها لم يستطع أن يتمالك نفسه ..لم ينطق بكلمة واحدة، ملئ الحجرة بالصراخ فقط.
وكان كلما دخل بيته لمح خيالها في جوانبه، و إذا أراد النوم توسد وسادتها التي كانت تضعها تحت رأسها ..أحيانا كان يصرخ و أحيانا أخرى يبكي ويتمتم كالمجنون : عودي يا ماريا، عودي أرجوك،فأنا لم أعد أحتمل غيابك..عودي فقط .. الحياة لم تعد تستهويني بدونك. اشتقت إليك كثيرا، لماذا الناس الطيبون يذهبون باكرا ؟!
لماذا بقيت بعدك ؟ لماذا لم تأخذيني معك يا أيتها الأنانية.. ؟
لقد مر على سعيد الوقت بسرعة دون أن ينتبه ويعلم أن ماريا ماتت منذ سبع سنين.
القاص: فؤاد سلاَمي

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى