ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : موسيقى المشاعر . مسابقة القصة القصيرة بقلم / رحاب خالد حامد .. مصر

الاسم: رحاب خالد حامد
الدولة: جمهورية مصر العربية
النوع : قصة قصيرة

موسيقى المشاعر
فُتحَ الباب على مصراعيه فظهر النادل بملابسه الأنيقة وربطة عنقه المحكمة مع قفازاته السوداء وهو ينحني للأمام قليلاً، مرحباً بالضيوف قائلاً:
أهلاً بالسادة المشاعر، السيد الحزن، الفرح، الأمل، الحب والسيدة الكراهية أرحب بكم جميعاً كما أرحب أيضاً برفقائكم ونشكركم لتلبية دعوتنا تفضلوا.! أيها السادة …! أمامكم خمس طاولات، كل طاولة تحوى كرسيين فقط، تملك كل منها فرقة موسيقية، كما أن الطاولات منفصلة عن بعضها بحيث أن الفرد الجالس على إحدى الطاولات لا يستطيع أن يسمع موسيقى من طاولة مجاورة أتمنى أن تستمتعوا بالحفل.

أفسح النادل المجال للضيوف فظهرت الخمس طاولات والفرق الموسيقية وهم على أهبة الاستعداد للعزف كان المكان غاية في الجمال؛ فطلاء الجدران مزركش ومزخرف بأحدث الطرق وكذلك الأرضية تلمع بالألوان، والطاولات حديثة الطراز ومنظمة جيداً مع زجاج فاصل بين كل طاولة وأخرى بالإضافة إلى العبارة المكتوبة على أحد الجدران ” موسيقى المشاعر” كانت تحيط بها الأضواء من جميع الجهات.

نظر الحزن إلى الدموع واتجهوا إلى أول طاولة، فلا يستطيع الحزن أن يفارق الدموع سيان كانت ظاهرة أو باطنة ربما يكون دائماً في حاجة إليها كي يخرج أو يُعبر عن نفسه قليلاً، فهما يتناغمان مع بعضها كثيراً ولكنّ الحزن عندما يشتد بفعل عزة النفس يميل للهدوء ويدفع الدموع للداخل فتسكت الدموع وتسيل من عيون القلب في صمت، حتى وإن سالت من عيون القلب فالحزن مقروناً بها دوماً .

ارتفع صوت ضحكة الفرح وهو يمسك بيد الابتسامة مُتجهين إلى الطاولة الأخرى فهي رفيقته التي لا يستطيع أن يخفيها مهما حاول، إنها متعلقة به وتزداد رونق برؤيته، ظلت تنظر إليه وكأنها تخبره بتلك النظرات أنها لا تستطيع أن تلمع إلا في وجوده، فإذا غاب سيغيب جمالها معه، فشمسهم واحدة حتى وإن اختلف الطقس وظل هو يبادلها تلك النظرات ليخبرها أنها مياه وروده التي يحيا على رائحتها ونبض ضحكته التي تدقُ لأجلها، فهو لا يستطيع الظهور بدونها.

وعلى الطاولة الأخرى جلس الأمل بثغره الباسم مقابل الطموح والذي كان يمسك يده بقوة فهو نقطة ارتكازه التي يستند عليها كما أنه لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة بغيره فكلما تمسك بالأمل كلما اقترب من الوصول وكلما ارتفع شأنه في الرتب العالية ونال شيئاً من المجد، ويعلم الطموح تمام العلم أنه لا نهاية له ومع ذلك فإنه يستمد وقوده من الأمل لذلك يحرص عليه جيداً على عكس الآخرين الذين قطعوا صلتهم بالأمل، ولكنّ الأمل كريم يلبي نداء الجميع.

أمسكت الكراهية بيد الذم واتجهت إلى الطاولة، فهي لا تستطيع أن تفسر سببها إلا على لسانه إنه الحُجة الأولى لكي تنتشر أو تبرر عداوتها كما أن الذم يستتر خلفها فيخفي ضعفه وانحداره عن الجميع، ويتمسك بها أكثر فيقوى بتأثيرها عليه وربما أيضاً يستعين بالكذب فقط لإرضاء الكراهية.

ذهب الحب إلى الطاولة الأخيرة، فلم يبقَ للكبرياء خيار سوى أن يذهب إلى تلك الطاولة، نظر الحب إلى الكبرياء -الذي مازال واقفاً- بعيون تشع بالمودة قائلاً: هيا اجلس..! ما رأيك أن نستمع إلى موسيقى “مونامور”؟
الكبرياء: ما هذا الهراء..؟ قم أولاً.! فإني أود الجلوس في هذا المكان… بعدها أقرر أنا ماذا سنسمع؟.
أشار الحب إلى الكرسي المقابل قائلاً: يمكنك الجلوس هنا ..! ألا يمكنك التنازل ولو لمرة .! أنا ضحيتُ لأجلك عدة مرات رغم أنني أتألم في كل مرة، تخليتُ عن مبادئي رغماً عن أنفي في سبيل الاستمرار ولكنني اكتفيتُ بهذا القدر … حسناً يمكنك الجلوس على الكرسي المقابل وإلا سأذهب …!
نظر الكبرياء إليه بازدراء قائلاً: يبدو أنك نسيت مَن أنا …؟ أنا لا أُهدد أو أُذل متى شئت الرحيل ارحل فأنا أكتفي بذاتي لستُ بحاجة إلى أحد، أنا يا سيدي لا يقتلني غيابك أو صمتك أو سوء فهمك أو لامبالاتك أنا لا يقتلني شيء منك ولم ولن أنتظر منك شيئاً قط … أنا كامل يا سيدي.

بدأت الفرقة الموسيقية الأولى العزف لطاولة الفرح والابتسامة بعد أن اختاروا ألحان جورج زامفير(sarba batraneasca ) التي تلاءمت معهما ودفعتهما للرقص فكان الجو مرح حتى الفرقة الموسيقية كانت في قمة السرور وهي تعزف كما تراقصت أضواء الشموع الوردية معهم .

أطال العازف الخاص بطاولة الحزن النظر إليه وإلى الدموع ولكن دون جدوى، كانت الدموع تسيل في هدوء بينما ينظر الحزن إلى تلك الستائر السوداء الموضوعة على نافذة طاولته في صمت وقد خيم الألم على ملامحه، لم يجد العازف مفر سوى أن يبدأ بالحديث قائلاً : سيدي ماذا تُريد أن تسمع ..؟
رمقه الحزن بنظراته البائسة قائلاً: لا أريد شيء سوى الصمت، الصمت فقط!
العازف: حسناً يا سيدي يمكننا أن نعزف ألحان “الصمت” لبيتهوفن.
عاد الحزن بنظراته إلى تلك الستائر بينما بدأت الفرقة الموسيقية العزف بذلك الوجدان الذي سيطر على الأوتار فأصبحت تبث الشجن.

نظر الأمل إلى الفرقة بنظراته الإيجابية قائلاً : إن مظهركم الأنيق يبعث الشعور بالاطمئنان أنا متفائل بكم يا سادة
أردف الطموح قائلاً: أشعر بأنكم ستصبحون يوماً فرقة عالمية.
نظرت الفرقة إليهم بنظرات باسمة وقد ارتفعت روحهم المعنوية وبدأوا في عزف ألحان “روعة الحرب” وقد بذلوا قصارى جهدهم حتى يثبتوا مهاراتهم الفائقة فكان العزف غاية في الدقة والجمال.

أشارت الكراهية إلى الفرقة قائلة : أريد ألحان “كارمينا بورانا” .
بدأت الفرقة العزف وقد تسرب الإحساس إلى صدرها فأصبحت راسخة أكثر وهي تنظر إلى الفرقة وقد ضاقت عيونها أما الذم فكان يتلذذ بتلك الألحان التي بإمكان الشيطان أن يرقص عليها إذا لم يعزفها، وتتسع ابتسامته المتوهجة بالحقد.

أما آخر طاولة فقد جلس الكبرياء بمفرده بعدما ذهب الحب تاركاً الكبرياء والحفل، وكانت نظراته تشع بالسلطة لممارسته منصب القيادة دوماً، وقد عُزِفت له ألحان ” قداس الموت ” التي تناسبت مع جوفه الذي كان يحترق.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى