ط
مسابقة القصة القصيرة

نساء المخيم..مسابقة القصة القصيرة بقلم / روان على شريف من الجزائر

الاسم روان علي شريف.
المدينة والدولة وهران الجمهورية الجزائرية.
البريد الالكتروني [email protected]
خاص بمسابقة همسة لسنة 2017 نوع النص القصة القصيرة.
.
نساء المخيم.
ما كان يخطر ببال أحد منا أن يحدث ما حدث..
كان الأمر أشبه بأن تطبق السماء بكل ثقلها على صدرك حتى تكاد تختنق ويفور دمك العربي وقت الضيق معلنا عن ثورة حواس تمكنك من تجاوز الخوف وتشعرك أثناء وقوفك الطويل والمضني عند الحواجز والمعابر بالانفجار.
بخطوات جادة مستقيمة كانت سيدة في مقتبل العمر لم تتعد الثلاثين من عمرها ترتدي جلبابا أسود وغطاء رأس طويل يغطي كتفيها وصدرها.تسير في شارع ضيق قبل أن تدخل أحد المنازل الواقع على الشارع الرئيسي من بابه الخلفي.كانت على أثرها امرأة أخرى على الهيئة نفسها ترتدي معطفا أسودا فوق الجلباب القاتم تحسبا من أن تسقط الدمعة المتحجرة في عيون المخيم منذ الصباح الباكر من هذا اليوم الشتوي البارد.
دخلت هي الأخرى من الباب الخلفي وأغلقته وراءها.خلف الباب ساحة المنزل الواسعة التي كانت تعج بمجموعة من النسوة يلزمن الصمت على مقاعد خشبية التي بدت كأنها استجلبت من مقهى الحي المجاور لتؤدي غرض مفاجئا لم يكن في الحسبان.
كل نسوة مخيم الأمعري جاؤوا بالكامل للاشتراك في حفلة الصمت التي كانت من الممكن أن تكون صخبا ورقصا وتبادل التهاني والقبل لو لم يكن هذا الذي حصل منذ أثنا عشر يوما منذ أن أصيب الفتى سمير بطلقة في الرأس من رشاش مجنس إسرائيلي جاء من الحبشة لم تتمكن مسعفة الهلال الأحمر أن تنقذ حياته. فعلت ما يمكن أن تفعله لكن الإصابة كانت بليغة ودخل في غيبوبة ظلت تتردد عليه وظلت الأنابيب تربطه بنقطة الأمل إلى أن فارق الحياة بين ذراعيها.ما زال كابوسه يطاردها حيث ما حلت ولا زالت مشاهد البشاعة والغطرسة مرسومة أمام عينيها.حاولت جاهدة أن تمحوا من ذاكرتها كل تلك الصور لكنها لم تستطع.. كان سبر أغوار الوضع القائم صعب للغاية،لا ابتسامات ولا دموع،ولا مكان للكلمات السعيدة ولا حسرة على ما وقع وحدها أم سمير خصبة أضفت شيئا جديدا على الوضع القائم عندما أخذت تستذكر بصوت مجلجل مآثر الانتفاضة الكبرى وشجاعة ابنها الذي زفته شهيدا من أجل حياة الوطن واسترداد الحرية المسلوبة..
في غفلة من الجميع كما دخلت تلك السيدة ذات الجلباب الأسود غادرت المأتم بخطوات جادة مستقيمة من غير أن تكون في إثرها تلك المرأة التي رافقتها،عرجت على بيت ذويها بالمخيم أخبرت إخوتها بأنها ستتأخر في العمل في ذلك اليوم..
ركبت الحافلة بعد أن غيرت من هندامها لم تخرج من البيت إلا وهي في كامل زينتها الشيء الذي لم تقم به من قبل كلما أخذتها الضرورة لزيارة مدينة القدس التي تعشقها حيث يقطن في الجزء العربي أبناء عمومتها التي انقطعت عنها أخبارهم.
لم تضيع وقتها بمجرد أن وصلت انطلقت إلى شارع يافا موزعة الابتسامات من حين لآخر لعساكر مدججين بالسلاح وفي الوقت الذي رأته الأنسب انفلتت من المراقبة دخلت متجرا مكتظا بالزوار البعض جاؤوا من أوكرانيا وآخرين من هولندا حتى منهم من جاء من أمريكا تشعبت لغتهم لكنهم جميعا اتفقوا أن هذه الأرض أرض ميعادهم التي وعدوا بها زورا .
من بين الحشود ومن خلف ضباب الذاكرة أطل الفتى سمير برأسه أمامها، ابتسمت ورددت للمرة الأخير(( بعدك… على هذه الأرض لا شيء يستحق الحياة..)). ضغطت مرة واحدة بأصابعها على زر حزامها الناسف.دوى انفجار ضخم،تهشم زجاج العمارات والمكاتب القريبة، تعالت الأصوات هنا وهناك.سمعت صفارات الإنذار من بعيد، هرعت فرق الإنقاذ بسرعة وحضر رجال الإطفاء لإخماد ألسنة اللهيب التي طالت الطابق العلوي للمتجر.
حضر رجال الإعلام بكثافة ولفيف من المحققين أغلقوا الشارع بأكمله ولم يسمح لأي ساكن أن يخرج منه أو يدخله.
بعد ساعة من عملية التمشيط والتأكد من الحادثة وحيثياتها أعلنت القناة العاشرة التابعة للجيش الإسرائيلي أعلنت فيه بأن العملية تعد عمل ارهبي نفذته امرأة لأول مرة بحزام ناسف وتوالت التقارير والتحليلات لهذا التطور الجديد في أسلوب المقاومة واستنتج المحققون أن منفذة العملية كانت تدعى وفاء إدريس تعمل في الإغاثة من مخيم الأمعري برام الله وأسفرت الحصيلة المؤقتة عن مقتل صهيوني واحد وإصابة مائة وأربعون آخرين.
هناك بالمأتم في المخيم تعالت زغاريد النسوة عندما بلغهن الخبر قالت امرأة بين النسوة.وفاء إدريس رفعت رؤوسنا جميعا يا نسوة،وشدت على يد أم سمير المرأة العجوز التي كانت تجلس إلى جانبها،فأفتر ثغرها أخيرا عن ابتسامة خفيفة وبانت في بؤبؤ عينيها علامة الاستحسان والتأييد وما لبثت أن حركت لسانها لتقول شيئا حتى أوجدت نفسها محاصرة بطلبات ملحة من الجموع لتتحدث فباعدن من جو الصمت والحزن المطبق الذي كان سائدا فقالت
لم أفهم لماذا كانت وفاء تصر على زيارتي يوميا و كلما سألتها عن سبب تغيبها عن عملها كمسعفة
في قسم الطوارئ تعطيني بظهرها تحبس دموعها تغادر البيت خلسة وتكتفي بابتسامة ذابلة وتردد على مسمعي قبل أن تختفي (( على هذه الأرض لا شيء يستحق الحياة ما لم…)

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى