الاسم/محمد ابوبكر عرابي رزق
اسم الشهرة/محمد الهمامى الراجحى
البلد مصر
فرع القصة القصيرة
هل أنا بن عاق؟
،،،،،
يطالع كراسة التعبير الانشائي لطفله الذي أنجبه في الستين، كان موضوع التعبير الذي طلبه المعلم من طفله الملتحق بالصفوف الأولى بالمرحلة الإبتدائية عن ( فضل الأم) بدا الطفل مرتبكا لا يدري ماذا يكتب، ولا كيف يكتب، ذهب إلى أبيه، وهو الأب الطاعن في السن، يسأله كيف يبدأ وكيف ينتهى، ابتسم الأب ابتسامة ممتزجة بالدمع، وظل يسأل نفسه سابحا في لجج من اللوم والتأنيب محادثا صورة أمه الراحلة: هل أنا ابن عاق يا أمي؟
لم أكن أعلم أنك ذلك الجبل سينهار يوما ما، فتلك اللحظة لم تمر بمخيلتى أبدا، ولم ترسل لي إشارة طفيفة عبر سنوات الصبا والشيب، بالرغم إدراكي تمام الإدراك أن لكل شئ نهاية وأن العمر لحظة كما قال يوسف السباعي، عاينت هذه اللحظة التي تخطف الصغير قبل الكبير في نفسي، وفيمن حولي من الصحب والرفاق، رأيت الأشداء ينهارون، وذوي العزم الذي لا يشك أحد في بأسهم، يتهاوون كقبض الريح، حتى سواد الشعر يا أمي زحفت عليه أسراب الشيب والخفوت، الصادق الوحيد الذي يخبرني عن الموت وحكمه هو التجاعيد الزاحفة، وما بين لين العظام وأمراض القلب والشيخوخة والزهايمر لم أتخيل هذا أن تصيري هكذا يوما؛ طفلة صغيرة عدت فى أيامك الاخيرة، كان يتعين علي أن أصبح أنا الأم، غير أني لم أستطع لذلك سبيلا، أن أقدم ما قدمت لى حينما كنت طفلا،
ربما لا أتذكر ماذا فعلت منذ ولادتي حتى عمر ثلاث سنوات، لكن أتذكر جيدا ماذا فعلت مع إخوتى بحكم تقدمي في العمر عنهم، ماذا فعلت حيالهم من بر وإشفاق، كانت حركتها الدائبة فى البيت تؤلم ساقيك المتورمتين، وتجهد قلبك الذى أنهكه الخوف على كل غائب، وعلى كل من أصابته شوكة الأيام والليالي،
كنت أطلب منك التوقف والجلوس بصوت هاديء:
اقعدى يا حاجة
استرحي يا أمي
وكنت ترفضين دوما، أصرخ بحدة في وجهك مشفقا، فتستجيبن حينا، وكأن حدة نبرتي تخيفك فترضخين، حين أجلس مع نفسي أسأئل أعماقي المظلمة
أليست هذه زجرة ونهرة
كيف أتوجه إلى الله بعدها، وكيف أواجه الملائكة باخطائي في لومك وتعنيفك؟
ما قيمة صلاتى ودعائي وتوسلاتى لرب العالمين؟
يؤرقنى الفعل ليلا ..يجافيني النوم، أرتعد من الخوف، أتسائل باكيا:
هل أنا ابن عاق لك؟
يارب لقد كان الخوف عليها هو الدافع لأرفع صوتي؛ كى تستجيب، هكذا أصبح حالي، وصارت نفسيتي خرابا، منذ أن تدهورت حالتك الصحية، ربما ما يخفف عني وطء العذاب للحظات، ، أنني أقف بجانبك من ساعتها بغرفة الرعاية المركزة، أمسك بيدك ..أقبلها
وأهمس إليك بصوت ذاهل دامع:
مسامحاني يا أمي، تردين علي منذ ذلك الحين بصوت متهالك مشفق:
مسمحاك يا حبيبي
يفرحني ذلك حد اللا حد
لكن يا أمي بالرغم من ذلك، ما تزال بقلبي غصة، وبجوانحي خوف و رهبة من لقاء ربي حين يسألني:
لم رفعت صوتك على من كانت تذوي لكي تبقى يانعا؟
،،،،،
محمد الهمامى