ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : خذي غرفتي . مسابقة القصة القصيرة . بقلم / رشيدة محداد . المغرب

* قصة قصيرة .خذي غرفتي.

تأملت العسكري القادم نحوي في تباث..بدلته الخضراء المزركشة.. حذاءه المورنش الأسود..قامته الطويلة..سحنته السمراء وذقنه الحليق..كلّ هذا حرّك بداخلي شيئا ما!
الساعة تشير إلى الرابعة فجرا..صوت المطر شاشة سينمائية أحالت ذاكرتي على بيتي الصغير..خارج المدينة..في نوستالجيا بالأبيض والأسود.
بيتنا قمامة راقية جلبها ابن عمي من مدينة “ليون” حيث الفضلات صالحة لإعادة التدوير..وحيث الأسرّة تبيعنا أحلام أوروبا في كلّ ليلة..
بيتنا، كما فتاة بدوية أقنعوها انّ فساتين “كلودين” ستجعلها جميلة في أعين فتيان القرية، فبدا الأمر مضحكا ومثيرا للسخرية!

– اخي عادل استيقظ …عاد ذاك الرجل الضخم مرّة أخرى!
انتفظت من فراشي مذعورا افرك عيني، لا اكاد اتبين جسد أختي الضئيل، وسط ظلام غرفتي الباردة ..
– اقتله أرجوك اخي..إنه يريد ان يستولي على غرفتي..!
أعلم أن أختي الصغيرة تراني كما بطل رسومها المتحركة..وأن علي أن أكون رجل القوى الخارقة لأكتم أنفاس فوهة مسدس أسمته”الرجل الضخم”.
ستائر غرفتي تهتز بفعل البرد منذ الليلة الماضية، غفوت سريعا وأنا ألتحف شراشف برلين البيضاء..أو هكذا خُيّل إليّ..
غادرت فراشي مندفعا نحو باب الغرفة المقابلة لغرفتي..أدفعه بقوة ليطالعني جسد يكاد يملأ الغرفة الصغيرة.. رائحة الكحول ممزوجة برائحة سجائر ارخص ..أسعل متقززّا ثم أتفّ أمام قدميه المتدليّتين من سرير الزهراء.. سلسلة مفاتيح عديدة وقدّاحة حمراء ملقاة على الكرسيّ المحادي للمكتب الصغير، وسترة رجالية سوداء، ملقاة على السرير بشكل عشوائيّ.
دخولي المفاجئ إلى الغرفة، جعل الرّجل الضّخم يخزرني من زاوية عينه اليسرى، تواجهه شرارة عين لم تره منذ أزيد من سبعة عشر عاما..الآن وقد صرت فتيّا…عاد أبي!
سيجارته لغة ساخرة تستفزّ المكان، فتضيق انفاسي اكثر..أتأمّل جسد والدتي المنهك الذي لم يسترجع بعد عافيته، بعد عودتها من صعقات موت بارد، لم تدفئه زيارة أبي يوما!
يدها ترتّب بارتجاف ثياب الزهراء داخل حقيبة الإقصاء…
– هذه الغرفة ستكون لأبيك صغيرتي زهراء…إنّه…
قاطعها صوت والدي الآمر من الركن الآخر:
شعرك الطويل هذا..غدا صباحا ستقصّه فاسمك يوسف وليس فاطمة..( يخاطبني موّجها سبّابته إلى رأسي، وقد عدّل من جلسته قليلا.)
– عادل..إسمي عادل وليس لك شأن بي..(اضغط يد اختي الصغيرة بتشنج.. لتصعقني برودة كفها فالتفت إليها في اشفاق..أطالع نظراتها فتزيدني رغبة في تلبية أمنيتها وقتله!
أنظر إلى أمي المسكينة وقد بدت هزيلة مغلوب على أمرها، ألا زالت تحبّه..أاكون إبنا عاقّا حين أنهي حياة من اجل حياة! اطأطئ رأسي في استسلام بالغ، أنحني في وضعية مواجهة لأختي الصغيرة، أمرّر كفّي على صفحة وجهها وأنا أبتسم:
_ عذرا صغيرتي زهراء..سأغادر المكان..بطلك الفولاذي لن يهزم ذاك الجسد الضخم..سأغادر.. خذي غرفتي ..واغلقي النافذة جيدا قبل النوم..غرفتي باردة جدا..!
غبش يفرد جناحيه..يمخر عباب سماء تنشطر نصفين.. ليرثّقها برق خاطف يقنعني أن حياتي ستبدأ من هنا..داخل الأكاديمية العسكرية..ترثقها أمنيتي حين ألتحف بندقية تصلب جلاّدِي الطفولة والأمومة…
وسأعود أيتها الزهراء..سأعود وسأقتله…وسأتبث لك انني رجلك خارق القوى…سأتبث لابن عمي، أن بيتنا الجديد لن تؤثته قمامة برلين..سأتبث لأمي أن الذي أنكر نطفته أزيد من سبعة عشر عاما ليعود..فقط من اجل نطفة اخرى يحملها بطنك ويختفي بين أحضان الخطايا..هو ليس إلا..لقب ممدّد على بطاقة هويّتي الشخصيّة!

ربّت العسكري على كتفي..لينتشلني من شاشة النوستالجيا:
– سعيد بالتحاقك بالأكاديمية..يومك الأوّل، سيكون صعبا..
فلنبدأ بحلق شعرك الطويل….

رشيدة محداد المغرب

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى