الاسم:- منة الله مدحت كمال عبد العزيز
الدولة:- مصر
لينك صفحة الفيسبوك:-
https://www.facebook.com/profile.php?id=100064084722756&mibextid=JRoKGi
القصة:-
المقبرة
جلبة، و صخب شديد اعترى المكان لم يسكته سوى ظهوره في القاعة و قد أحاط المكان بسكون مهيب لا يوحي بوجود حشود من الحاضرين، بوجه مظلم كالليل الحالك، و هيئة تجمع بين الحيوان و الإنسان ممسكا بيده ميزان عدالة الموتى، كنت أجلس بين الحاضرين ، تحدث بحزم بعد دقائق صمت حبست الأنفاس، مطلقا العنان لحنجرته المهيبة أن تزيد المكان رهبة
-حان وقت الحساب من حارس المقابر أنوبيس
ثم جال بنظره في وجوه الحاضرين حتى استقرت عينيه على شخص بعينه
-كبير كهنة معبد آمون، لن يحضر المحاكمة سواه، فلينصرف الجميع
ماذا؟ إنه يناديني أنا، ألم تتم محاكمتي من قبل؟ ، لماذا تعاد المحاكمة؟، فرغت القاعة من الحاضرين و جلست أمامه و قد بدأ القلق يتسرب إلى خلايا جسدي، نظر إلي أنوبيس نظرة تمنيت لو أموت ثانية حتى أهرب منها، و لكن أين المفر؟
كسر الصمت المقلق صوته الأكثر قلقا، متحدثا بهدوء شديد
-هل تعرف أين نحن الآن؟
نظرت حولي و بدأ قلقي يتزايد، ازدردت ريقي بصعوبة ناظرا إليه
-نعم .. أعرف .. إنها مقبرة مولاي توت عنخ آمون.
مازلت لا أدرك لماذا أتى أنوبيس لمحاكمتي للمرة الثانية، هذا من المستحيل أن يحدث في عالم الموتى، كيف يتم إخراجي من حياتي الأبدية و أعود ثانية لمحكمة العدالة، و ما زاد قلقي هو أنني أنا بالتحديد من وقع عليه هذا الاستثناء، و لماذا اختار أنوبيس قبر مولاي توت بالتحديد؟، ألا يجدر به أن يحاسبني في مقبرتي أنا و ليس في مقبرة سيدي؟، تمنيت لو يتحدث أنوبيس ولا يتركني في لحظات الصمت هذه التي لا تزيدني سوى قلقا، و أخيرا تحدث أنوبيس محدقا بي
-هل تعلم لماذا أتيت إليك مجددا يا خادم آمون؟
أعلم؟ .. يا ليتني أعلم، ما كان الخوف و القلق ليعصف بي إن كنت اعلم، إن رأسي يكاد ينفجر من سيل للاسئلة الغير مجاب عنها، قطع أنوبيس الصمت بصوت هز أركان المقبرة و أركان عالم الموتى بأسره إن كان لعالم الموتى حدود لها أركان
-هل تدرك خطورة ما حدث؟
ارتعدت أوصالي و لكنني استجمعت شجاعتي أخيرا لأسأله بصوت كبحه خوفي الشديد
-أنا لا أعلم ماذا حدث سيدي حتى أعلم مدى خطورته
وضع أنوبيس أعمالي على كفتي ميزان العدالة دون أن يتحدث، و لكن مهلا، ما هذا؟، لقد تبدل ميزاني، أذكر جيدا محاكمتي الأولى، لقد رجحت فيها كفة الخير و هذا يفسره وجودي في نعيم أبدي قبل أن يتم استدعائي ثانية، و لكن هذه المرة رجحت كفة الشر، كيف هذا؟، هل يعقل أن يكون أنوبيس قد اقترف خطأ ما في المحاكمة الأولى؟، و لكن كيف له أن يخطئ و هو حارس المقابر العظيم؟، نظرت إلى الميزان في ذعر شديد و لم يكن أمامي خيارا سوى أن أتحدث، أرغمت نفسي على أن أنحي الذعر من صوتي و لكن دون فائدة فتحدثت
-سيدي، سيدي لقد رجحت كفة الخير في محاكمتي الأولى، ماذا يعني ما حدث الآن؟
تغيرت ملامح أنوبيس من الحيادية إلى الشر، و خيم الغضب الشديد على صوته
-ماذا يعني هذا؟، هذا جزاء من يسئ إلى عالم الموتى، هذا جزاء من يجعل من عالمنا أضحوكة و من أقوالنا أكذوبة، هذا جزاء من يهدم أمجادنا و يجعل أحفادنا يسخرون من معتقداتها.
لم أعي شيئا مما قاله للتو، من يجرؤ على السخرية مننا، و كيف تكون نصوصنا أكذوبة؟، و الأهم من هذا كله، ما علاقتي أنا بكل هذا؟، عصفت الأفكار بذهني و كان وقعها كالمطارق، و لكن أنوبيس لم يتركني هكذا كثيرا، بل شق عواصف فكري بعاصفة غضبه و قال
-هل لديك علم بما حدث منذ شهر طبقا لتاريخ عالم الأحياء؟
أشرت برأسي مذعورا علامة النفي، قال أنوبيس و كاد صوته أن يهدم عالم الأحياء و الأموات سويا
-لقد فتحت هذه المقبرة أيها الكاهن، لقد تم فتح مقبرة مولاك توت.
شبت في عقلي معركة أخرى بأسئلة أكثر شراسة، كيف للمقبرة أن تكتشف؟، لقد أشرفت بنفسي عليها و تأكدت من بعدها كل البعد عن أيدي السارقين و نبشة القبور، لقد وضعت عليها النصوص وتعاويذ الحماية بنفسي، لقد بقيت كثيرا بعيدا عن متناول أيدي الأحياء، فطوال حياتي لم يعرف مكانها بشر، و حتى بعد موتي لم يعرفوا مكانها بدليل أن أنوبيس يقول أنها فتحت منذ شهر فقط، و بالطبع اكتشافها يعني أن سر الفرعون الصغير تم فضحه، الآن فهمت لما تم استدعائي، أنا ذاهب إلى الجحيم لا محالة
أكمل أنوبيس حديثه مشعلا المعركة في رأسي أكثر
-لقد عرف الأحفاد أن توت لم يكن الشاب القوي الذي يعشق سباق العربات، لقد رأوا العكازات التي وضعتموها معه في القبر و علموا أن أجدادهم كانوا يكذبون، لقد تمت سرقة ممتلكات الملك جميعها، وأصبحوا يرون أنكم زيفتم الحقائق لتحسنوا صورة الفرعون.
و سرقت المقبرة أيضا؟، هذا يعني أن الملك لم يستطع إكمال حياته الأبدية بممتلكات كاملة، ليتني لم أخدم معبد آمون في حياتي، ليتني لم أدخله من البداية، فأنا أدفع ثمن كل هذا لأنني كبير كهنة آمون
أكمل أنوبيس بمطارق كلامه واتهاماته التي لا تنتهي
-أتدرك أن هناك خطأ أكبر من ذلك قمت بارتكابه أيها الكاهن؟
خطأ آخر؟، يا لها من محاكمة عصيبة، هل هكذا تكون حياتي بعد الموت؟، هل من كرس حياته لخدمة آمون تكون حياته الأخرى بهذا السوء
أكمل أنوبيس مخترقا حواجز أفكاري، محدقا إلى وجهي
-من سرقوا مقبرة الفرعون مازالوا على قيد الحياة، يا من كتبت تعاويذ المقبرة بنفسك.
قلت وقد بح صوتي
-هذا مستحيل يا مولاي، لم يكتب أحد غيري نصوص حماية قبر مولاي توت، هذا القبر بالأخص لم أسمح لأحد بكتابة تعاويذه.
باغتني أنوبيس ممسكا برأسي واضعا إياها أمام أحد نصوص الحماية، أحسست بخلايا جسدي تنهار ذعرا الخلية تلو الأخرى، قال أنوبيس جازا على أسنانه و مطبقا على رأسي حتى كادت تتهشم
-بالفعل لقد كتبتها بيديك الملعونة هاتين، و لكنك أيها الكاهن نسيت أن تكتب آخر تعاويذ الحماية و التي بها يكتمل النص و يتحقق، لقد دخل المقبرة فريق استكشافي كامل و كل ما حدث لهم هو اختناق مؤقت و سرعان مازال هذا الاختناق بمجرد دخول هواء جديد للمقبرة و عادوا سالمين إلى ديارهم، لقد أصبحوا لا يصدقون أننا نحمي قبورنا، بسببك أنت أصبحت لعنة الفراعنة أكذوبة في نظر أحفادنا، ضاعت هيبتنا لديهم.
دفعني أنوبيس لأسقط أرضا ثم أكمل
-أتدري، إن الجحيم لأمثالك رحمة، عذاب الجحيم أضعف من حجم فعلتك هذه، و لكن للأسف لا أملك هنا أسوأ من الجحيم، كبير كهنة آمون، ستنقلب حياتك الأبدية هنا من النعيم إلى الجحيم الدائم
خرج صوتي مستغيثا و طالبا العفو و لكن دون جدوى فقد اختفى أنوبيس دون أن ينبس ببنت شفة.