خاص بمسابقة القصة القصيرة
عتيقة شييرود/ الجزائر
………………………
العنوان: مسرحية مجنونة
مسرحية مجنونة ؟
كنت بالمطبخ أعدّ العشاء لأطفالي ،حين رنّ الهاتف فجاءني به إبني الأصغر بعد أن ضغط على زر المكالمة التي كانت من أخيه الأكبر الذي خرج منذ ساعة تقريبا ولم يعد ،وقد سأل عنه رفقاء الحي ولم يجدوه بالبيت.
أمسكت بالهاتف : ألو ..سليم ..ألو.. .أين أنت؟ لماذا لا تكلمني ..ألو …لكنه لا يجيب …سمعت صخبا و أصواتا تعلو على صوته ولم اتبين بوضوح سرّ هذا الضجيج ..؟هاتفه لا يزال مفتوحا، لكنه لا يجيب بينما تستمر تلك المحادثات المتداخلة كانها شجار عنيف بين طرفين وسط مجموعة من الناس أو أنه حدث مُروع بالمدينة يحاول ان يطلعني عليه دون ان يلفت انتباه الحضور لسبب ما..أو كانه في مأزق واتصاله بي إنما هو طلب نجدة خفية عن هؤلاء الذين يعتدون عليه، لذا أبقى الهاتف مفتوحا …إنّه يريدني أن أدرك أنّه في ورطة…
يا الهي ،لعلّه يتعرض للإعتداء وانا لا اعرف حتى مكان تواجده الآن !
حاولت السيطرة على خوفي ، فوضعت سماعة الهاتف بأذن صغيري أنيس كمحاولة مني لتكذيب ما اسمعه، لكنه أكّد لي أنّه يسمع شجارا بين أطراف، وحتى اقطع الشك باليقين ، وضعت السماعة بأذن أخته وانا ارتجف فزعا ،فنظرت إلي بعينين مذعورتين وقالت مضطربة : أمي.. إنه شجار وإني أسمع صوت سليم ..
أرعبتني تأكيداتهما لمخاوفي ، وزادتني يقينا أنه في ورطة.. أقفلت الهاتف واتجهت كسهم إلى الخزانة بغرفتي ، خطفت أول ثوب وقعت عليه يداي وخمار مهترئ وخرجت مسرعة مع ابنتي دون أن أخلع حذاء البيت ” الشبشب”.ونزلت أطوي درجات سلم العمارة ركضا كمجنونة وأنا أوصي صغيري بالبقاء في البيت حتى عودتي، وهو يردّد خلفي بالرواق باكيا مذعورا : انهم يضربون اخي ؟.وعند مدخل الحي صادفت مجموعة من الأطفال جالسين على حافة الرصيف ،فأمرت ابنتي بالعودة للبيت لتكون مع اخيها. وسألتهم عنه دون ان اتوقف عن الركض فأكدوا لي بدورهم أنهم لم يعثروا عليه منذ المساء.. وقد تعودوا أن يجتمعوا معه بأسفل العمارة، فتضاعفت مخاوفي ووساوسي اكثر ، لكنّ سمير حاول طمأنتي وهو يعلق على كلامي: لا تخشي شيا خالتي،سليم عاقل ولا يورط نفسه في عراك سخيف ،و ربما يكون بقاعة الانترنت كعادته. وطلب مني ان اعيد الإتصال به قبل ان نتجه الى اي مكان ،ولما هاتفته ردّ عني بانه لم يتصل بي مستغربا فزعي ،فلم أجد ما أقوله… ولم أتابع تفاصيل ما كان يخبرني به ..أعطيت الهاتف لسمير ،كلّمه واطمأنّ جميعنا على حاله ..ثمّ اعتذرت منهما و عدت إلى البيت ،صعدت سلّم العمارة منهارة بخطى ثقيلة كما لو اني عائدة من معركة ..
بعد حوالى ساعة ونصف عاد إلى البيت ، فسارع إليه الشبّان عند مدخل الحي يقصّون عليه الحكاية ويلومونه على فعلته ..فدخل منزعجا ، غاضبا، إنها فضيحة بالنسبة له ان تخرج امه هائمة على وجهها تبحث عنه بهذا الشكل الذي وصفه “تهريج “..
أماّ أخته فوبّخته على توبيخه لي..وهي تصيح في وجهه : ألم تدرك ما ألحقت بنا من رعب ؟؟ فراح يشرح لنا الأمر ببساطة : كان الهاتف بجيبي ..لم أنتبه أني ضغطت على الزر ،و لم أكن أسمع شيا ؛ لذا لم أرد…وما كنتم تلتقطونه هي أصوات قريبة من المطعم الذي كنا نتناول فيه عشاءنا…هذا كلّ ما في الأمر.
وبعد لحظات عرضت عليه أخته السيناريو من لحظة خروجه حتى موعد المكالمة الهاتفية المشؤومة .محولة هذه التراجيديا إلى كوميديا حقيقية وهي تعيد تمثيل كلّ أدوارها خطوة،خطوة ،فبدى لي كأننا كنا نؤدي مسرحية هزلية باتقان.. وقد التزم كلّ منا بتجسيد دوره ببراعة..حتى إبني الصغير كان دامع العينيين مردّدا :” سليم خويا ..إنهم يضربونه.”.ضحكنا من أنفسنا ضحكا هستيريا ” أما سليم فقاطعها يتساءل في استغراب : ثم لماذا تعاملونني بكراهية في البيت كما لو أني الشيطان الأكبر، وحين أخرج تبدون كل هذا الاهتمام..؟
نظرت إليه في غيض كبير دون أن أنطق بكلمة واحدة وكل جسدي مازال يرتعش من الصدمة ،لكني لم أكلّف نفسي عناء الرد عنه ، فإبني ذو السادسة عشر لا يزال طفلا لا يفرّق بين معاملتي له كتصويب لسلوكاته وقلقي عليه كأم.. و سهوت أراجع ما حدث بحيرة : اي حظ سيئ هذا ، لما ضغط على اسمي بالذات ،ألم تختر الصدفة سواي لتفزعه..؟ و لما افزعني الأمر لهذا الحد ؟ ما الذي دفعني إلى كلّ هذا الجنون .؟.
أه، آه ،تذكرت ، فقد رأيت في منامي منذ اربعة ايام اني أبحث عن ابني هائمة لأتأكد من البلاغ الذي وصلني يخبرني انه قد مات ، وبكيت في المنام بحرقة ومرارة كادت تفقدني صوابي، ولم انجو من الجنون إلاّ لحظة استيقاضي، أيكون مصدر فزعي ذلك الكابوس.؟ أم أنه رعب العشرية السوداء الذي يسكنني منذ بداية القتل بوطني الجريح ؟ أم أنها ببساطة… مشاعر الأمومة؟