ط
الشعر والأدب

رسالة إلى أمي .قصة قصيرة بقلم الكاتبة / رشيدة محداد . المغرب

قصة قصيرة * رسالة إلى أمي

لم اتجاوز الثالثة عشر بعد من عمري .. حضيت آنذاك بصداقات متعددة من جنسي.. حيث كنت اتمتع بكامل حريتي في اختيارهن والاستمتاع بالخروج صحبتهن.

لا اذكر يوما ان جالستني أو اخذتني في حضنك أمي ورسمت لي طريقا امشي فيه.. بدوري ..تسرب الخجل إلى كياني فخجلت من طرح استفسارات دوخت رأسي فلم أجد له جوابا أو حلا الا في قصص مكتبتي أو تلفازي الملون !

يوما ما.. تخلفت استاذة عن الحضور. فعرضت علي احدى صديقاتي التجول بعيدا عن اجواء المدرسة !

وافقتها الطلب بكل براءة وابتعدنا مسافة تقنعني أن لا مجال للعودة وحيدة..

وجدت نفسي امام “فيلا’ فاخرة وصديقتي تتجه نحو الباب ترن الجرس بكل ثقة !

-ماذا تفعلين ؟ لمن هذه الفيلا ؟

– انه صديق ..سنستغل هذه الساعة الفارغة ونستمتع بوقتنا..

وسط دهشتي فتح شاب ثلاثيني الباب، رحب بنا ثم دعانا إلى الدخول …

سارعت “منى” نحو الداخل وهي تشدني من ثيابي..

قام الشاب بدعوتنا لزيارة مرافق الفيلا..كانت صغيرة..شبه خالية من الاثاث الا من تلفاز وكنبة تتوسط الفناء..وسرير في غرفة بنفس الطابق السفلي..يفصلها عن الفناء ممر طويل..تغطي أرضية الغرفة قمصان رجالية وبعض الملابس الداخلية..في فوضى مقززة..

اعتراني خوف حاولت ألا اتركه يسيطر على ردات فعلي..فتحكمت في ساقاي اللتين كانتا تقوداني لاكتشاف مرافق المكان..في تباث ألجم لساني للحظات..

الصالة التي احتضنت آلات رياضية كانت تبدو مرتبة اقنعتني أن الشاب يهتم بكماليات جسمه..فقط ليثير جسد امرأة تسقط إعجابا أمام اول فتحة زر من قميصه…

أدرت رأسي أبحث عن إحساس منفلت يشاطرني الخوف..عل “منى” تدرك أنها اخطأت بالمجيء..

انبهار “منى” بتلك الآلات الرياضية..إشارة واضحة للذي سيأتي..

جلست القرفصاء اراقب المكان،واراقب الشاب الذي مالبث ان اختفى ليقوم بواجب الضيافة..احضر كأسي عصير لي ولمنى..وضع صينية الضيافة على طاولة مستديرة صغيرة تتوسط صالة الفناء..بمحاذاة الكنبة الجلدية الرمادية..وفتح التلفاز..بعد ان وضع شريط فيديو وابتسامة لاهية تعلو وجهه المستدير..

جلست على حافة الكنبة..أراقب حركات الشاب الذي لم يهتم بتقديم نفسه..كان يبدو متحمسا سعيدا بما يفعل..

وبدأ العرض..الشريط مخل للآداب..ومنى..تقرفص على البلاط وجهها يكاد يلتصق بالتلفاز..تقهقه كما البلهاء.

الآن علي أن أحذر الإثنين..كأس العصير استقبلته معدة “منى” في أقل من لمح البصر..بينما كان انفي يلعب دوره بامتياز..يفتح المجال لبقية حواسي بالحذر واخذ الحيطة..فكان علي أن اتظاهر بشرب العصير والاستمتاع به كذلك..

اتقظ كل الأبطال بقصصي المفضلة التي التهمتها..فبرق الذكاء براسي..استرسلت بالكلام بعد الوجوم..وبدون ارتباك..تغنجت متمايلة..نثرت شيئا من دلع طفلة لم تنضج بعد انوتثها على البلاط دون ان أترك المجال لذاك الشاب المراهق بلمسي..فتذرعت بالوقت..تذرعت بقرابة تجمعني بالحراسة العامة للمؤسسة..وتخوفي من اكتشاف غيابي..ووعدته بالعودة غدا..

ابتسم الشاب راضيا..او لربما صيده السهل ذاك الملقى على البلاط افضل من صيد قد يبدو متعنثا..لكن هيهات ان يغنم به ..

– منى..هيا فقد تأخرنا!

تطلعت “منى” في وجهي وكانها تراني لاول مرة..

-.اذهبي يا سناء..سألحق بك بعد دقائق!

احتقن وجهي بدماء الدماثة..فكنت صوت أمها الذي أصر أن يقنع الشاب بقرابة “منى”وان الحراسة العامة ستفسد علينا لقاء الغد إن لم تصحبني ..فاقتنع مستسلما مسلّما يدا “منى” التي وافقت ان تغادر معي بامتعاض.

-غدا ! ماذا ستعد لنا من اطباقك الشهية ؟؟

-مفاجأة ! (رد الشاب الاحمق بثقة وكبرياء..مبتسما ابتسامته اللاهية..)

امام بيت الشاب..تاملت ورقة نقدية من فئة الخمسين درهما..سلمها لي الشاب الطموح..خضراء كما قلبي الذي عم بالسلام… تأشيرة سيارة أجرة..للذهاب..والعودة إلى وكر الثعالب..

أمي..

صادقي ابنتك وعلميها أن تهرع إلى سريرك فتحكي لك بشوق..علميها ان تغمض عينيها في استسلام ..وهي تختار لك دورا مشرفا بمسلسلاتها. الا تكوني ابدا في الكواليس.!

كوني انت..كل القصص!

ستبكين امي وعيناك تقفز بين السطور..أعرف ذلك..ستتمنين لو اقتلعت كل علامات الاستفهام والتعجب..وبسطت مكانها ذراعيك محتضنة….ستتمنين ان اعود..فقط لتعانقينني..حتى لو مر على الحادث عشر سنوات..ستتمنين أن أعود..لتعانقينني قبل أن اركب الطائرة..محلقة فوق سماء الوطن للمغادرة..

نحو كندا..لإتمام دراستي……

أقبلك..وسأشتاقك..

ابنتك سناء.

رشيدة محداد

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى